تأتي سياسة السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية على رأس أولويات أية سياسة غربية وحتى إقليمية، وهذا ما يجعل مصالح تلك الدول متعارضة على الدوام مع مصالح الأمة العربية بدءاً بالدول الاستعمارية الأوروبية وصولاً إلى الوريث الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أصبحت للولايات المتحدة الأمريكية مصالح وأهداف متشعبة في منطقتنا أهمها حماية الكيان الصهيوني وتوفير الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لهذا الكيان، والنفط العربي وكذلك الغاز الذي يتصدر إنتاجه واحتياطاته العالم كله. ولو تتبعنا مواقف الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة خاصة بعد أزمة الخليج (1990/1991)، ومن بعدها أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م لرأينا أنها قد زادت من وجودها العسكري في المنطقة براً وبحراً وجواً، وهذا ما جعل وطننا العربي يعاني معاناة شديدة من الوجود العسكري المفضوح فوق أراضيه وفي مياهه مما يترك آثاراً صعبة وقاسية متنوعة على نواحي الحياة في أقطار الوطن العربي، كما يتأثر الوطن العربي أيضاً من الوجود العسكري الأجنبي القائم على أراضي، وفي مياه دول الجوار الجغرافي، وفي المياه الدولية القريبة، وهذا ما أثبتته الأحداث والتطورات التي جرت في المنطقة والعالم، وإذا توقفنا وبشكل سريع عند التواجد العسكري الأمريكي في وطننا العربي كونه الأكثر انتشاراً، والذي أصبح ظاهرة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من أخطارها الحالية والمستقبلية على أمتنا العربية، وخاصة في ظل العلاقات المتشابكة مع معادلات الصراع في منطقتنا الحيوية نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي من جهة وما تحتويه من ثروة نفطية من جهة أخرى لوجدنا العديد من القواعد العسكرية الجاهزة دائماً للتدخل في أقطار الوطن العربي وبكل أشكاله العسكرية المباشرة منها، أم عبر الخبراء العسكريين أم المستشارين والفنيين.
كما أن هناك أشكالاً أخرى للتدخل العسكري في الدول منها تقديم الدعم والتسليح والتدريب لمجموعات إرهابية مأجورة لتنفيذ أهداف الدولة المتدخلة ضد الدولة المستهدفة، كما هو الحال مع سورية ومنذ بداية العدوان في الشهر الثالث من عام 2011 وحتى الآن.
طبعاً، جميعنا يعرف التدخل الأمريكي – الأوروبي في الوطن العربي، الحرب العدوانية على العراق، آذار عام 2003، والذي أسفر عن تدمير هذا القطر وإلحاق خسائر باهظة به بشرياً ومادياً واقتصادياً وسياسياً ومعنوياً، وكذلك التدخل بالأمس القريب لحلف الناتو في ليبيا، وبطلب من جامعة الدول العربية، حيث لحق بليبيا أيضاً خسائر باهظة بالبشر والاقتصاد والثروة النفطية وتدمير مدن وقرى ومنشآت وبنى تحتية. وسبق ذلك تدخلات عسكرية مباشرة وغير مباشرة، إذ تم قصف ليبيا بالطائرات الحربية الأمريكية عام 1988م، وقصف مصنع للأدوية في السودان، وتدخل مباشر في لبنان لقوات المارينز الأمريكية ومعها قوات فرنسية تصدت لها المقاومة وألحقت بها خسائر بشرية عالية أجبرتها على الهروب من لبنان، وكان هذا أيضاً مصير القوات الأمريكية في الصومال. أي أن مسألة التدخل الأجنبي في شؤون الدول التي تحظى بالسيادة الكاملة أصبحت أمراً عادياً في السياسة الأمريكية بالذات وإن كان مثل هذا التدخل يحصل عبر التاريخ إضافة الى سورية التي تشهد التدخل العسكري الأجنبي المباشر، إذ إنها تتعرض لتدخل عسكري من (تركيا _ أردوغان) حيث الجيش التركي يحتل أرضاً سورية في الشمال، هذا بعد قيامها بتدريب وتسليح ودعم مجموعات إرهابية خارج الحدود وبالتحديد في كل من تركيا ولبنان مثلما سبق وواجه القطر العربي السوري أشكالاً أخرى من التدخلات الأجنبية ومنذ عقود شمل الحصار السياسي والاقتصادي والحملات الإعلامية بسبب مواقفه وتوجهاته وسياساته الوطنية والقومية، كما يهدف هذا التدخل لإلغاء دور سورية السياسي في المنطقة التي هي دولة محورية فيها من أجل تمرير المشاريع والمخططات الأمريكية والصهيونية وخلق "شرق أوسط جديد" طالما عملت من أجله هاتان الجهتان المتشاركتان . طبعاً هذه المخططات من شأنها أن توفر الحماية والأمن للكيان الصهيوني.
مثلما يهدف هذا التدخل إلى تهديد وحدة سورية أرضاً وشعباً، خاصة وأن الحملة الإعلامية التي تقودها كل من قناة الجزيرة والعربية إلى جانب قنوات أخرى تشكل مدخلاً حقيقياً لتمزيق النسيج الاجتماعي في سورية، كما يأتي استهداف سورية لهدم حصن المقاومة الممتد من طهران إلى دمشق إلى لبنان إلى المقاومة الفلسطينية. وقد حاولت الدول الاستعمارية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تمرير التدخل المباشر في سورية لكن الفيتو الروسي والصيني أفشل هذه المحاولة، فاتجهت هذه الدول نحو جامعة الدول العربية للتهيئة لمثل هذا التدخل، ومن هنا جاء دور الجامعة العربية المشبوه إذ عقد وزراء الخارجية العرب العديد من الاجتماعات، وأطلقوا العديد من المبادرات الجماعية، بعد أن أقدمت دول خليجية بسحب سفرائها من دمشق، وقد تضمنت هذه المبادرات العربية تعليق عضوية سورية، الدولة المؤسس، في جامعة الدول العربية، ومعاقبتها سياسياً عبر سحب السفراء، وتم تتويج قرارات جامعة الدول العربية بضغوطات اقتصادية على سورية تمثلت في العديد من الإجراءات والتلويح بالتدخل الأجنبي في حال لم تمتثل سورية لسياسات الجامعة العربية الظالمة وغير المسبوقة حتى ضد العدو الصهيوني الذي تحتفظ دول في الجامعة بتمثيل دبلوماسي وتجاري وتطبيع كامل معه.
طبعاً، مثلت هذه القرارات التي اتخذت ضد سورية خروجاً على ميثاق الجامعة العربية ومبادئ العمل العربي المشترك، وخرقت كل الصلات والعلاقات والروابط بين أبناء الأمة العربية الواحدة. إذن التدخل الأجنبي وخاصة التركي والأمريكي والفرنسي والبريطاني ولبعض العرب ضد سورية قائم سواء أكان عسكرياً عبر المجموعات الإرهابية، أم إعلاميا،ً أم اقتصادياً، أم استخباراتياً، أم سياسياً.
وقد تم بالأمس القريب اجتماع في تركيا حضره إضافة إلى مسؤولين أمنين أتراك، أمريكان، وسعوديين، وما يسمى "جيش الفتح". إذ طلب هؤلاء من العصابات الإرهابية في حلب الشرقية عدم الانسحاب والتحضير لهجوم عسكري كبير حتى ولو أدى هذا العدوان الى قتل المواطنين السوريين في هذه المنطقة (شرق حلب). بمعنى أن التدخل العسكري في المنطقة لم يقتصر على القوى الغربية بل شاركت (تركيا _ أردوغان) هذا التدخل والعدوان على الأمة العربية في سورية والعراق.