التاريخ : الجمعة 09 يونيو-حزيران 2023 : 11:10 مساءً
الرفيق د.محمد صالح الهرماسي
طباعة المقال طباعة المقال
الرفيق د.محمد صالح الهرماسي
قمة عربية ميتة لجامعة عربية ميتة على ضفاف البحر الميت
تطبيع العلاقات بين مشيخات الخليج والعدو الصهيوني

بحث

  
الاستفتاء على التغيير الدستوري في تركيا من سياسة “صفر نزاعات” إلى سياسة “صفر صداقات”
بقلم/ الرفيق د.محمد صالح الهرماسي
نشر منذ: 5 سنوات و 4 أشهر و 20 يوماً
الأربعاء 17 يناير-كانون الثاني 2018 03:50 م

د.محمد صالح الهرماسي

عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

أجرت تركيا يوم الأحد 16 نيسان/ أبريل 2017 استفتاء على تغيير الدستور، حيث شمل التغيير 18 تعديلاً مقترحاً على دستور البلاد، وهي اقتراحات طرحها حزب العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة، بالتنسيق مع حزب الحركة القومية المعارض الذي وافق عليها، بينما عارضها أهم حزبين تركيين، هما “حزب الشعب الجمهوري” و”الحزب الشعبي الديمقراطي”.

شملت التعديلات الأخذ بالرئاسة التنفيذية التي تحل محل نظام الحكم البرلماني القائم، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، وتولي الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، وقيادة الجيش، ورفع عدد المقاعد في البرلمان من 550 إلى 600 مقعد، وخفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عاماً، وعدم قطع رئيس الدولة صلته بحزبه، وولاية رئيس الدولة 5 سنوات، ولا يحق للشخص أن يتولى منصب الرئاسة أكثر من دورتين.

جاءت نتائج الاستفتاء لصالح التغيير الدستوري بفارق ضئيل (51.4% مؤيدون، مقابل 48.5 معارضون)، مما أثار تساؤلات حول شرعيتها، إذ كشفت النتائج أن تركيا منقسمة بين مؤيد لأردوغان ورافض له، واتسعت دائرة الخلاف، لتتجاوز التعديلات الدستورية إلى الخلاف حول شخص رجب طيب أردوغان، باعتباره من كان وراءها، والمستفيد الأول منها، حيث صوتت مدن اسطنبول وأنقرة وأزمير بـ “لا”، وستظل هذه المدن والتجمعات الصناعية قريبة من المبادئ العلمانية والديمقراطية الموالية للغرب، وسيواجه أردوغان مشكلة إلا إذا حاول تطويعها بالقوة مما يعني تحوله لديكتاتور ومستبد أو “سلطان جديد” كما وصفته الكثير من التعليقات الإعلامية.

وشهدت تركيا تظاهرات رافضة لنتائج الاستفتاء على تعديل الدستور، مستنكرة عمليات التزوير التي قامت بها اللجنة العليا للانتخابات في الاستفتاء، وتوجهت جموع حاشدة من الأتراك إلى فروع اللجنة الوطنية للانتخابات في مختلف المدن التركية وتقدموا بطعوناتهم بنتائج الاستفتاء.

تتيح هذه التغييرات تحويل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الجمهوري الذي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة، بينما يرى منتقدوها أن تمريرها سيقضي على الديمقراطية في تركيا، ويمهّد لحكم استبدادي من قبل أردوغان، وقد يرقى إلى استيلائه على مقاليد الحكم، حتى عام 2029، خاصة أن تركيا شهدت تدهوراً في استقلالية القضاء، حيث تحتل اليوم المرتبة 151 من أصل 180 بلداً في سلّم حرية الصحافة وفق منظمة “مراسلون بلا حدود”، واعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” (17/4/2017) أن الديمقراطية خسرت في تركيا، وكتبت تقول: “إن العالم سيتساءل إن كان بإمكان أمة خدمت ولعقود كجسر حيوي بين أوروبا والعالم الإسلامي العيش مستقرة وبمستقبل مزدهر في ظل رجل لا يحترم البنية الديمقراطية والقيم؟”، أي أن أردوغان أصبح يشكل خطراً يهدّد الديمقراطية في تركيا، وستذهب تركيا نحو ترسيخ حكم الفرد الواحد، وتأسيس منظومة ديكتاتورية فعلية فيها.

بغض النظر عن التجاوزات التي حدثت في التصويت، والانتقادات التي جاءت من مراقبي الاتحاد الأوروبي الذين قالوا إن الانتخابات شابتها مظاهر قصور، والاتهامات بإجراء انتخابات في ظل قوانين الطوارئ وعمليات تطهير وسجن وعزل للمشتبه بعلاقتهم بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي حدثت في تموز/يوليو 2016، إلا أنه سيكون لنتائجها أثر واضح على دور تركيا الإقليمي والخارجي، خاصة فيما يتعلق بطلب عضويتها الذي تقدمت به منذ عقد أو يزيد للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وعضويتها في الناتو، وأعتقد أن تهنئة ترامب لأردوغان بنتائج الاستفتاء، تعطي مؤشراً إلى أن عضوية تركيا بحلف الناتو لن تتأثر، بل سيزداد التقارب والتنسيق بين أنقرة وواشنطن، الأمر الذي يعكس انقساماً أمريكياً أوروبياً بشأن التعامل مع تركيا التي تعد حليفا للولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن تطبيق التعديلات الدستورية يعني إعادة تشكيل تركيا كـ (سلطنة) وفق رأي البعض، بعد قرن تقريباً من ولادتها (1923)، وسيترك التحول في النظام السياسي آثاره العميقة على علاقة تركيا مع أوروبا في وقت يعتبر التعاون في قضايا الأمن والهجرة حيوياً.

 

لقد ساهمت سياسة أردوغان “صفر نزاعات” مع جواره الجغرافي والإقليمي التي بدأ عهده بها، في بدايتها بالنهوض بتركيا قوة إقليمية صاعدة، بفضل نظامها الديمقراطي الذي أتاح، لأول مرة، لحزب إسلامي قيادة البلاد، وأدى هذا النجاح إلى إيجاد نموذجٍ لما سمي نظام الحكم الإسلامي الديمقراطي، إلا أن نزوعه السلطوي، واستبداده في الحكم، أدّى إلى تبنّيه سياسة “صفر صداقات”، وجعل بلاده ونموذجها الديمقراطي الذي ساد فترة من الزمن الخاسر الأكبر في هذا الاستفتاء.

لقد وضع أردوغان بلاده وشعبه أمام مفترق طرق كبير وحاسم، إما أن يختار أن يكون موحّداً ليعيد ترميم التجربة الديمقراطية التي بدأت تتآكل، حتى قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة، أو أن تؤدي نتائج الاستفتاء إلى تعميق حالة الاستقطاب الحاد داخل المجتمع التركي، المنقسم على نفسه، ما قد يمهد لحكم استبدادي طويل، أو قد يُسرع بمحاولة انقلابية جديدة، تعود بالبلاد إلى حكم العسكر الذي لم يودّعه الشعب التركي إلا قبل سنوات قريبة.

لقد باتت السيناريوهات المقبلة لمستقبل تركيا واضحة، عكستها تصريحات أردوغان التي أعقبت صدور النتيجة من حيث العمل على إعادة عقوبة الإعدام، المترافقة مع تمديد حالة الطوارئ، الأمر الذي يعني دفن الديمقراطية والعلمانية في تركيا، إلى جانب الكثير من عمليات القمع والتعسف التي تمارسها أدواته وتضييق الخناق على المعارضين ووسائل الإعلام التي تسلط الضوء على غطرسته، في الداخل، إضافة إلى تعميق الخلافات داخل المجتمع التركي، ودعمه للإرهاب وتنظيماته المختلفة التي رحبت بـما أسمته “فوز أردوغان”، مما ينذر بتباشير أزمة جديدة سياسية واجتماعية واقتصادية دخلت تركيا والمجتمع التركي في أتونها، وبالتالي ستؤول الأوضاع فيها نحو الأسوأ، عدا عن أن أوروبا ستغلق الباب نهائياً أمام أي تفاوض بخصوص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي الذي يعد تطبيق عقوبة الإعدام خطاً أحمر.

نحن بانتظار المواجهة المقبلة بين أردوغان ومعارضيه في الانتخابات الرئاسية عام 2019

تعليقات:
تعليقات:
ملحوظة:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع حزب البعث العربي الإشتراكي-قطراليمن نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى كتابات وأراء
كتابات وأراء
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
كَنَائِسُ القُدسِ تُقَاوِمُ وأَوقَافُهَا تُهُوَّدُ
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
الرفيق/خالد السبئي
ثورة آذار "التحدي العربي "مستمرة لم تكن حدثاً عابراً.!
الرفيق/خالد السبئي
الرفيق/خالد السبئي
اليمن أصل الحضارة..تضيف ثلاث أعوام من الصمود...!!!
الرفيق/خالد السبئي
د .عبد اللطيف عمران
في «مشكلة الفكر العربي» المعاصر صحيفة البعث
د .عبد اللطيف عمران
الرفيق/خالد السبئي
فلا حياة لممالك بلا جذور وتاريخها الملعون فى جزيرة العرب .!!
الرفيق/خالد السبئي
الرفيق/خالد السبئي
آه.. يا شعبنا.. باعوا الارض والانسان لمن يدفع أكثر !؟
الرفيق/خالد السبئي
الـمـزيـد