|
|
|
|
|
هل العرب أمة بلا فَلسَفة؟
بقلم/ مصطفى الكيلاني
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 12 يوماً السبت 25 سبتمبر-أيلول 2010 06:09 م
يذهب البعض الكثير إلى اعتبار العرب أمة بلا فلسفة، سواء تعلق الأمر بالماضي عوداً إلى التراث العربي الإسلامي أو الحاضر، إن بحثنا في متراكم البحوث والدراسات الخاصة بهذا المجال التنظيري المرجعي، وحجة هؤلاء تتمثل تحديداً في غياب النسق وسيادة البيان والعرفان مع ضمور معرفة البرهان كالذي أثبته محمد عابد الجابري في جلّ أعماله.
وإذا اقتصرنا على حصر الفلسفة في العقل لم يبق ممن يمكن تسميتهم فلاسفة إلا النزر القليل، كابن سينا والفارابي وابن باجة وابن رشد، رغم التسليم لدى الكثير من الباحثين في الموضوع الفلسفي بأن هذه الأسماء، وإن حرصت على المؤالفة بين النقل والعقل فهي أقرب إلى النقل منه إلى العقل، عوداً إلى الشريعة في الأساس والمرجع وتتلمذاً على فلاسفة الإغريق، وأرسطو منهم على وجه الخصوص، لمدى التقارب المعرفي بين التراثين وإمكان توليد فكر عملي يستجيب لجلّ القضايا والمشكلات الوجودية المباشرة وشبه المباشرة في حياة المسلمين على غرار ما تحقق في حياة الإغريق القدامى.
إن حصر الفلسفة في العقل دون سواه، قولاً بالحاجة إلى النسق في التفلسف، قد يؤدي إلى الإجحاف الذي يضر بالعقل إضراره بالفلسفة، كأن تُضحي أسيرة المرجع الواحد مما يزج بها في دائرة الوثوقية المكتفية بذاتها وبمفرد المقاربة والمنهج والقصد والنتيجة.
ذلك أن العقل لايكون عقلاً مخصباً إلا إذا ما تحرر من واحدية عقلانية واستعان بما هو أبعد منه، كالقول بعقل العقل أو تكثير مراجع التفكير والمعرفة بالمخيال والحدس والحلم، كأن تستثري الفلسفة بالاعتقاد والمتخيل والأسطوري والإناسي «الأنتروبولوجي» دون نفي أهمية النسق أو إقرار التمركز الشديد الجاذب حدّ قتل حرية التفكير وعفوية الخاطرة وتجسيد الاقتدار على إعادة إنتاج الأفكار بالتكرار والإضافة.
وإذا استدللنا بالتراثات الفلسفية سالفها وحادثها تبين لنا أن اللحظات الاستثنائية الفارقة في تاريخ المعرفة الفلسفية تتحدد بمدى التحرر من جاهز النسق لتحقيق الإمكان الذي به ينشأ نسق جديد مختلف في التفلسف، كمثالية أفلاطون لاتنفصل عن الواقع بل تسعى إلى تحويله بإعادة إنتاجه على شاكلة مثال، وبذلك يتعالق مفهوم المقاربة والتناص المعرفي وتفرد الفكرة واختلافها. كذلك الشأن عند الإحالة إلى أرسطو الذي لاتعني عقلانيته نفي المثال تماماً، بل توظيفه بضرب من التنادي بين الفكرة ومختلفها، إذ تتحدد القضايا ضمن النسق بضرورات المعرفة واحتياجات الواقع إليها لفهمه وتغييره، أو عند قراءة الغزالي وابن رشد بمقاربتين مختلفتين لفهم الصلة بين النقل والعقل، وبآليات تناص معرفي تواصل آليات التناص المعرفي السابقة وتختلف عنها، أو عند قراءة سبينوزا وكانط وهيغل ونيتشه وهيدغر، كأن تتسع دائرة التفكير الفلسفي وتتكثر مراجعها لدى هؤلاء، فتستضيء الأفكار بنقائضها لتختلف عنها وتستثري بها في السياق ذاته.
فهل يمكن فهم خصوصية التفكير لدى سبينوزا ثم كانط دون الإحالة إلى فلاسفة الإغريق القدامى والغزالي وابن رشد؟ وهل بالإمكان فهم أبعاد «نقد نسيان الكينونة» وخفاياه دون الإحالة إلى الأفلاطونية ونيتشه والتاوية ومجمل التراثات الصوفية؟
فالقول الجازم بأن الفلسفة لاتكون إلا بمحض العقل ينفي أبعاد التفكير الأخرى ويكرس وهماً معرفياً لاصلة له بتاريخ التفلسف، بل قد يدفع إلى ألوان من الوثوقية الجديدة التي تعمل على رد المتعدد إلى واحد وتسكين المتحرك وتكريس الجمود الفكري والمعرفي باعتباره نقيض التفلسف القائم على دهشة السؤال وحرية التفكير ومغامرة البحث والجرأة في طرح القضايا والمشكلات حدّ الإزعاج وممارسة النقد الصارم وتثوير الأفكار بإنتاج أفكار جديدة تغيّر الوقائع للأفراد والمجتمعات والأمم، إن أمكن إيجاد الوسائل الكفيلة بتحويلها إلى قوى فاعلة.
فما الذي يبقى من تراثنا إن حذفنا البيان والعرفان واقتصرنا على البرهان؟ وهل البرهان العربي الإسلامي، قديمه وحديثه، منفصل تماماً عن البيان والعرفان أم هو الكل الفكري والمعرفي يستدعي قراءة هذا الكل بمختلف أجزائه وبعلاقات التواصل المثمر بينها؟ ألم يسهم التفكير الفلسفي العربي الإسلامي في ظهور الفلسفة الحديثة، فالمعاصرة بشهادة مؤرخي الفلسفة الغربية أنفسهم؟ وهل جهود العرب والمسلمين كافة اليوم في مجالات البحوث الفلسفية عديمة الجدوى أم يستدعي الأمر الاطلاع على متراكمها بالقراءة والتوثيق والتحليل ثم التأويل فالاستنتاج؟
أليس بمقدورنا آنذاك أن نجيب عن سؤال البدء دون مبالغة في هذا الاتجاه أو ذاك: هل العرب بالأمس واليوم أمة بلا فلسفة؟!. |
|
|
|
|
|
|
 |