التاريخ : الجمعة 02 يونيو-حزيران 2023 : 05:56 مساءً
د . بثينة شعبان
طباعة المقال طباعة المقال
د . بثينة شعبان
تحديد المسار
من يحدّد المقدّسات؟
الكلمة وطن.. والوطن حياة
أموالهم وأرواحنا!!
الحقائق تظهر فقط من أفواه «السابقين»
عندما يصرخون: ندين وبشدّة...!

بحث

  
من هم الأسرى الحقيقيون؟
بقلم/ د . بثينة شعبان
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 12 يوماً
الإثنين 18 أكتوبر-تشرين الأول 2010 06:44 م

حين سألت في مقالتي الماضية (إلى متى مؤامرة الصمت هذه؟)، الصمت عن أحد عشر ألف أسير من المدنيين الفلسطينيين تمّ اختطافهم من بيوتهم تحت جنح الظلام من قبل المخابرات الاسرائيلية، والذين يعانون أقسى أنواع التعذيب على يد جلادين عنصريين ساديين في السجون الإسرائيلية.

كنت أشير إلى أن الصمت الغربي حيال هذه الوحشية ناجم عن أن الضحايا هم مدنيون عرب وحسب!، ولكنّ ردود بعض المدونين العرب على مقالي ذاك ذكّرني بصمت أخطر وأعتى، ألا وهو صمت العقل العربي, وهذا الصمت هو الأخطر، لأنه مؤشر لتصدّع في الفكر والهوية والانتماء, فحين يضحّي شاب فلسطيني بنفسه كيلا يهدم بيت في حي سلوان بالقدس، وحين تجابه فتاة فلسطينية عزلاء آلة القهر العسكرية الإسرائيلية بمفردها، فذلك لأنّ كلاً منهما مؤمن بأرضه، وعروبته، وواجبه تجاهها، وليس فقط تجاه أسرته وبلدته، وإنما تجاه فلسطين، وهي وديعة أمته ومسرى نبيّه, ماذا نقول نحن لهؤلاء الذين ينتظرون الفرج من أعمالنا وهم يقبعون في غياهب سجون العنصرية الصهيونية؟.

إن الوحشية والظلم والابتزاز الذي يتعرض له الأسرى العرب والأسيرات العربيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أشدّ وقعاً وأكثر إيلاماً من الظلمة التي عانى منها عمال المناجم الثلاثة والثلاثين في تشيلي منذ الخامس من آب الماضي، والذين انتهت مأساتهم بحمد الله بنجاة الجميع في 14/10/2010، ولكن هذه المأساة ما كانت لتنتهي لو لم يتم تسخير العلم والمال والإرادة، لإنقاذ هؤلاء، ولو لم تعبّر تشيلي، رئيساً وحكومة وشعباً، عن حرص لا نظير له لإنقاذ حياة كلّ واحد من هؤلاء، مهما كلف ذلك من جهد وعمل, ولو أن مأساة هؤلاء قوبلت بأي نوع من التراخي، كالذي نشهده من قبل النظام الرسمي، أو الاستهتار، كالذي قرأته للأسف في ردود طالبت أن ننسى الأسرى الفلسطينيين وننشغل (بمشاكلنا الكثيرة) كما يطالبنا مراراً وتكراراً ليبرمان ونتنياهو بالضبط، لو كان التشيليون بهذا الدرك الأسفل من التراخي والاستهتار لما أنعمت أسرهم وبلادهم بعودتهم جميعاً سالمين, وبالإضافة إلى هذا الإنجاز التشيلي على المستوى الإنساني، والذي لا يمكن تضخيم قيمته، لأنه يجسد الفرق بين الفناء والحياة، فإن الإنجاز وضع تشيلي على خارطة الدول المحترمة فعلاً, الحريصة حقاً على حياة الإنسان، والمبدعة في إنقاذ هذه الحياة مهما كلّفها ذلك من جهد. ‏

وبالمقابل، فإن إهمال بعض العرب للآلاف من المختطفين العرب، والمئات منهم نساء وأطفال، وعدم ظهور العمل الرسمي والشعبي، على حد سواء، الجاد المخلص والمثابر لإثارة زوبعة في ضمير الرأي العام العالمي وبرلماناته، إلى أن يتم الإفراج عن هؤلاء المخطوفين والمعذبين ظلماً وعدواناً، إن هذا الإهمال لا يطيل مأساة هؤلاء الأسرى من أهلنا فقط، وإنما يحرمنا احترام العالم وتقديره، فكلما أثرنا مسألة ظلم واقعة على أهلنا في فلسطين مع مفكر أو إنسان غربي، يسأل ماذا فعل العرب حيال ذلك؟! العرب الذين يملكون القدرات المالية والسياسية الضخمة ماذا فعلوا لدعم إخوانهم، وأهليهم، وماذا فعلوا للحفاظ على أرضهم في القدس، والخليل، والنقب، والجليل، وبيت لحم وفي كل مكان في فلسطين؟ ‏

ومع كلّ هذا، حين كتبتُ عن الأسيرات الفلسطينيات ومعاناتهن، أتت ردود البعض، وأشك في أن البعض منها ردود عربية، رغم ظهورها بأسماء غربية، تصبّ في خانة الاختراق الثقافي على الأقل، وتسألني بعض الردود لماذا لا أركز على (معاناة) المرأة في سورية، وهم لا يعرفون شيئاً عن وضع المرأة في سورية، إلا من خلال ما يبثه لهم الإعلام الغربي، ومن الواضح خلال السنوات الخمس الماضية لماذا تناول الغرب سورية دون غيرها؟ ‏

لا يتسع المجال هنا لوصف ارتكابات الغرب في غوانتانامو، وأبو غريب مثلاً، وحروبهم الوحشية بكل المقاييس في العراق وأفغانستان وباكستان، هذا الغرب الذي يدّعي حرصه على حياة فرد واحد هنا وآخر هناك، وبالطبع فإن ما يرتكبه الغرب، لا يبرر لأحد ، كائناً من كان، ارتكاب الظلم ضد أي إنسان كان وفي أي مكان، أو موقع كان، وهذا بالضبط الموقف الذي أعيشه، وليس الذي أكتب عنه فقط, أما هؤلاء الذين يمنحون جائزة نوبل لمن وقف ضد كاسترو والثورة الكوبية، أو ضد ايران، أو ضد الصين، أو بشكل عام ضد حكومات يعاديها الغرب، فهم أنفسهم الذين ينفقون الأموال الطائلة على تمزيق العرب بالفتنة والانفصال، هم أنفسهم الذين يسلّحون اسرائيل بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وهم أنفسهم الذين يحاصرون العرب وينزعون سلاحهم، ويسيئون لنبيّهم، ويحرقون كتابهم المقدس، وهم أنفسهم يدعمون اعتقال فلسطينيين عُزّل تعصب أعين شبابهم الذين يُختطفون من قبل المخابرات الاسرائيلية ويساقون إلى المعتقلات في منظر يجب أن يخجل منه هؤلاء الذين يبحثون عن ثغرات لدينا ويسامحون أعداءنا على كل ما ارتكبوه من جرائم، ووحشية، ومجازر في العراق وفلسطين، واليوم في اليمن، وغداً قريباً جداً في السودان. ‏

هاهي كلينتون تقول في بروكسل: (إن الأمن بالنسبة إلى إسرائيل مهم جداً، فقد غادروا لبنان والآن هناك حزب الله وصواريخ على الحدود وتركوا غزة والآن هناك حماس وصواريخ). لا تشير السيدة كلينتون إلى أن اسرائيل تملك مئات القنابل النووية، وكل أنواع الصواريخ والطائرات والغواصات القادرة على حمل الأسلحة النووية، ولاتشير إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الذي اقتلع حتى اليوم مليون شجرة زيتون من حقول المزارعين الفلسطينيين العزّل، ولا تشير إلى هدم إسرائيل، وهي تدلي بتصريحها في بروكسل، أربعين بيتاً في النقب، ولاتشير إلى موافقة نتنياهو على هدم اثنين وعشرين منزلاً عربياً في حي السلوان بالقدس، ولاتشير إلى قيام قوات الاحتلال بالقتل اليومي للمدنيين الفلسطينيين العزّل، ولاتشير الى اختطاف اسرائيل يومياً للمدنيين العرب من منازلهم ومدارسهم ومزارعهم وهم معصوبو الأعين ينكّل بهم المستوطنون المدججون بالسلاح حتى أسنانهم، ويسوقونهم وهم مكبلون بالأصفاد الى سيارات الاعتقال النازية تحت ضرب الجنود المبرح, أولا يثير هذا المنظر غضب هؤلاء الذين يكتبون ليدافعوا عن الجواسيس؟ أولم يُغضب هؤلاء القانون العنصري الجديد الذي شرعته إسرائيل، والذي وصفه اليهود في الصحف الإسرائيلية (انظر يديعوت أحرونوت وهاآرتس يوم الاثنين 11/10/2010) بالقانون العنصري والفاشي، بينما صمتَ معظم هؤلاء العرب(؟)، وكأن شيئاً لم يكن, هذا القانون، الذي هو واحد من جملة قوانين عنصرية تهدف إلى تهجير عرب فلسطين المحتلة عام 1948. ‏

أولا يرى هؤلاء ماذا يجري في السودان من تفتيت لأرض وثروات وشعب السودان، حيث يهدد أوباما هذا الشعب، إما الرضوخ للانفصال وإما قتل الملايين منه؟! أولم تعلن هيلاري كلينتون من نيويورك أن (تقسيم السودان حتمي), وأن (الانفصال سيتم بعد الاستفتاء؟!). أولم ترسل سفيرتها سوزان رايس لوضع الحدود بين (الشمال) و(الجنوب)؟! ورغم كل تصريحات الحكومة السودانية بأن الاستفتاء في منطقة أبيي سيكون مستحيلاً في كانون الثاني، فإن الإدارة الأميركية والمتعاونين معها ماضون في مخططهم لإرسال قوات دولية الى السودان بهدف تفتيته، والقضاء على وحدة شعبه وأراضيه, هل يجب أن نرى المستعمرين يحتلون وينتهكون ويقسمون بلداننا واحداً تلو الآخر، حتى نؤمن أننا نحن جميعاً المستهدفون، وأنهم لا يميزون بين عربي وآخر، إلا بمقدار ما يقدم خدمات لهم, وخلال فترة تقديم الخدمة فقط، ثم يلقون به جانباً؟ ‏

إذا كانت الأسماء التي تردّ عليّ مستعارة، فسأكون سعيدة، أما إذا كانوا حقاً عرباً، ويكتبون بأسمائهم الحقيقية، آنذاك سأؤمن أنهم هم الأسرى الحقيقيون، معصوبو الأعين، المكبّلة عقولهم بالأوهام في معتقلات الغرب الدعائية، وأن اختراق الغرب أوصل بعض العرب الى حدّ جلد الذات، وإلى حد ضياعهم عن أولوياتهم، والى حدّ تعاميهم عن قضاياهم الأساسية، وانشغالهم بأمور خلقت خصيصاً لإشغالهم عن مخططات خطرة تحاك وتنفذ ضدهم، وضد وجودهم، ومصيرهم، ومستقبلهم. ‏

إن وضع أهلنا في فلسطين، والسودان، واليمن، والعراق، وغزة، هو كوضع عمال المناجم الذين كانوا محاصرين في أعماق مناجم تشيلي، والمطلوب هو تسخير كلّ مقدرات هذه الأمة الفكرية والمعنوية والمادية لابتكار السبل من أجل إنقاذهم من هذا الحصار، وكل ما عدا ذلك يصبّ في مصلحة العدو ويساهم في تقويض الوجود والمستقبل العربيين. ‏ 
تعليقات:
تعليقات:
ملحوظة:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع حزب البعث العربي الإشتراكي-قطراليمن نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى كتابات وأراء
كتابات وأراء
د. سليم بركات
المفاوضات المباشرة بين الحقيقة والوهم
د. سليم بركات
عبد البارى عطوان
بوش يكابر.. والهزائم تفضحه
عبد البارى عطوان
من المستفيد من الانقلاب على الديمقراطية؟
عبد الواحد بن زبع
عبد البارى عطوان
قمة سرت.. تخبط وافلاس
عبد البارى عطوان
أحمد عبد الملك  المقرمي
إخفاقات 17 يوليو?
أحمد عبد الملك المقرمي
د . بثينة شعبان
الحقائق تظهر فقط من أفواه «السابقين»
د . بثينة شعبان
الـمـزيـد