|
|
|
|
|
المفاوضات المباشرة بين الحقيقة والوهم
بقلم/ د. سليم بركات
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 13 يوماً الإثنين 25 أكتوبر-تشرين الأول 2010 06:29 م
إذا كان التاريخ لا يعيد نفسه إلا نادراً بعبارة ماركس، فإن التكرار للحظة التاريخية يمكن ملاحظته، وإذا ما وضعنا هذه المقولة في إطار التعامل مع الإدارة الأمريكية فيما يخص قضايا المنطقة، وعلى رأسها قضايا الصراع العربي الصهيوني، فإننا نجد أن السياسة الأمريكية في تعاملها مع هذه القضايا تأتي عن طريق النوايا، وليس عن طريق الأدلة والبراهين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على احتقار المعايير الأخلاقية، وعدم الاكتراث بالأعراف والمواثيق الدولية، ويعكس منهجية سياسية عنوانها الهيمنة والغطرسة، وأخطر ما في هذا التعامل هو الأخطاء التي ترتكبها بعض الأنظمة السياسية المتعاملة مع السياسة الأمريكية من حيث الوثوق بها، هذا الوثوق الذي يتحول إلى كارثة تنعكس بشكل أو بآخر على شعوب هذه الأنظمة، الأمر الذي يتطلب الحذر، لأن المتعامل مع أمريكا يسير في حقل من الألغام، لا يعرف كيف ومتى يتفجر، فالسياسة الأمريكية لا تعرف إلا مصالحها، ولا يهمها مصالح الآخرين، حتى لو حلت الكوارث على رؤوس حلفائها واتباعها، هذه حقيقة يجب أن يدركها المتعامل مع السياسة الأمريكية، والشواهد عaلى هذه الحقيقة كثيرة نجدها على سبيل المثال لا الحصر في مجموعة من التجارب:
الأولى: هي التجربة الفرنسية (شارل ديغول)، حيث من المعروف أن ديغول انسحب من الذراع العسكري الذي كان قائماً بين الدول الأوروبية، والناشىء عن طبيعة الحلف الأطلسي، ليدعو إلى إنشاء دولة أوروبية مستقلة بسياستها عن الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كشفت الأزمة العراقية عن انقسامات عميقة داخل أوروبا في مجال الدبلوماسية والدفاع بين فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، ونتيجة هذه المواقف تمر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا بين مد وجزر، بسبب الخلافات في وجهات النظر، وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث زاد الشعور الأوروبي بأنه لم يعد بحاجة لمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، ما دفع أوروبا للتمسك بما يخدم مصالحها بمعزل عن الهيمنة الأمريكية، فاندفع الأوروبيون إلى محاولات الاستقلال بقراراتهم في القضايا الدولية، كالقضية الفلسطينية، والقضية العراقية، وكذلك العلاقة مع كوريا وإيران والعراق وأفغانستان، وقد ظهرت هذه الخلافات بسبب عدم تأييد أوروبا للقرارات الأمريكية، بسبب شعور الأوروبيين بأن أمريكا أكثر استعداداً للتسرع في اللجوء للقوة، وأقل صبراً من أوروبا في المعالجة الدبلوماسية.
كما يأتي ضمن هذه الأسباب أيضاً أن الأمريكيين يفضلون استعمال أسلوب الإكراه على الإقناع، والعصا على الإغراء، كما أنهم يزدادون ميلاً للعمل بشكل أحادي الجانب، ولا يظهرون حماساً للمبادرات التي تتخذها المؤسسات الدولية، لكن التجارب تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي قد فشل في تحقيق شعاره (متحدون في التنوع)، ومايزال يسير في ركب السياسة الأمريكية.
التجربة الثانية: هي التجربة التركية، قبل التغير الذي أدخلته سياسة حزب العدالة والتنمية، إذ تجلت هذه الاستفادة باستخدام الموقع الجغرافي الاستراتيجي لتركيا، لتبقى التوجهات الأمنية العالمية والإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية في مأمن، أما بالنسبة لمشاعر الصداقة والقيم والأيديولوجيات المشتركة بين تركيا وأمريكا فحدث ولا حرج، إذ لم تكن تركيا في نظر الإدارة الأمريكية إلا إحدى أدوات الاستغلال لاحتواء العراق وإيران، وتدعيم عملية التسوية المختصرة في الشرق الأوسط لمصلحة إسرائيل، ولحصار روسيا، والالتفاف حولها لابتلاع ثروات المنطقة.
التجربة الثالثة: هي التجربة الأمريكية ذاتها تجاه الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط، هذه التجربة التي أتت على خلاف مع كل تجارب العالم في تطبيق الديمقراطية، ديمقراطية مفروضة بالقوة، والديمقراطية المفروضة بالقوة هي كل شيء ما عدا الديمقراطية، وهذه هي النتائج الكارثية شاهد على ذلك، فماذا حقق الغزو الأمريكي للعراق سوى العنف والدمار على كل صعيد؟!.. إن السياسة الأمريكية سياسة غزو وتوسع، أسلوبها في العمل السياسي قائم على حقول الدم وحروب الإفناء، إنها سياسة كوارث لا تلتقي مع أحد إلا مع الصهيونية القائمة على العنف والدمار.
من خلال هذه التجارب وغيرها، وما أثبتته الأحداث، ومسلسلات التسوية في المنطقة، نجد أن جوهر السياسة الأمريكية الإسرائيلية واحد، وهذا ما أشار إليه جوزف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، في زيارته لإسرائيل بتاريخ 9 آذار 2010، حيث قال: لا توجد على الإطلاق أية مسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بأمن إسرائيل، ويتابع والقول له: وحدها إسرائيل هي الصديق الحقيقي، والشريك الموثوق، وليس لدى الولايات المتحدة من هو أفضل من إسرائيل في العالم بأسره، ولا ينسى بايدن أن يعبر عن ولائه الشخصي لإسرائيل، فقد دخلت قلبه منذ الصغر، وبلغت عقله منذ النضج، وبايدن هنا يأخذ بنصيحة والده التي قدمها له حسب قوله، وهي: «لست بحاجة إلى أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً».
هل من ثقة بالإدارة الأمريكية بعد هذا الوضوح في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية؟ وهل من نتائج يجنيها العرب والفلسطينيون من أية مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل؟.. لا شك بأن مثل هذه المفاوضات ستكون كحوار الطرشان، كانت في الماضي، وقائمة الآن، وستبقى على هذه الحالة في المستقبل، لا لسبب إلا لأن المفاوضات مع أمريكا تعني المفاوضات مع إسرائيل، والعكس صحيح.
من هنا يمكن أن نفهم نتائج المفاوضات القادمة بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي بدأت بالمفاوضات غير المباشرة، وستستمر في المفاوضات المباشرة، إنها مفاوضات لن تسفر إلا عن الأوهام، ولا تعانق إلا الأوهام، فيما يتعلق بإقامة السلام العادل في الشرق الأوسط، وإذا كان العرب، وفي المقدمة الفلسطينيون، يراهنون على وجود فجوة بين أوباما ونتنياهو، فإن هذا الرهان موجود في الأحلام فقط، فأوباما ونتنياهو على وفاق في إقامة الدولة اليهودية، وتهويد القدس، وتأمين تغطية عربية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة، كما أن وجهات النظر متطابقة فيما يخص الملف النووي الإيراني، والالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل، واعتباره جزءاً من الأمن الأمريكي، حتى لو اقتضى الأمر الضرب عرض الحائط بكل قوانين الشرعية الدولية، وميثاق الأمم المتحدة.
كل هذا يعني أن مشروع التفاوض المباشر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لا جدوى منه، كما يعني أن المبادرة العربية للسلام قد سقطت، وأن باراك أوباما لا يختلف عن جورج بوش بالنسبة لإسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الأمريكية، وما هو مطلوب من العرب ومن السلطة الفلسطينية، من وجهة النظر الأمريكية، هو تقديم التنازل تلو التنازل للقبول بالمطالب الإسرائيلية، وكل ماعدا ذلك ليس من الواقعية السياسية بشيء.. بمواجهة ذلك يبقى على العرب الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم ومواقفهم، كما يبقى على العرب أن يختاروا الخيار الصحيح. |
|
|
|
|
|
|
 |