تكثّف الولايات المتحدة من حضورها في المنطقة في محاولة على ما يبدو للخروج بنتائج تحفظ من خلالها ماء الوجه بعد أن وصلت المفاوضات التي رمت واشنطن بكل ثقلها كي تُسْتَأنَفَ إلى طريق مسدود بفعل السياسات الإسرائيلية وعمليات الاستيطان والتهويد.
فما كاد الموفد الأمريكي الخاص السيناتور جورج ميتشل يغادر الأراضي المحتلة بعد أن أعطى مزيداً من الضمانات لإسرائيل ووقف شاهداً على إطلاق مشروع استيطاني جديد في القدس المحتلة، حتى حل الدبلوماسي المخضرم وأحد مهندسي السياسة الخارجية لفترات طويلة /دينس روس/ بتكليف من الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون لبحث الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية وبلورة الخطوط الحمر في أية تسويات محتملة والوقوف على الجهوزية الإسرائيلية لأي تصورات دراماتيكية قد تشهدها المنطقة أو تعد لها واشنطن.
ولكي يكتمل مشهد الرعاية يقف الفيتو الأمريكي بالمرصاد لأي توجه فلسطيني إلى مجلس الأمن لإعلان الدولة من جانب واحد وربط ذلك بمسار تفاوضي-إخضاعي مع إبقاء اليد الإسرائيلية طليقة في الحرب والاستيطان ورفض الحقوق الفلسطينية المشروعة وتكريس وقائع جديدة على الأرض.
إذاً نحن الآن على ما يبدو أمام لعبة توزيع أدوار مكشوفة بين ميتشل وروس، بحيث يركز الأول على قضايا "الحل الدائم" والقفز فوق كل الخطوات المرحلية وإبقاؤها معلقة دون التوصل إلى مقاربات بشأنها، بينما يركز روس على الجوانب الأمنية وإغداق المزيد من الضمانات والتطمينات قبل أي خطوة مستقبلية. ومن هذا المنطلق يمكن فهم الحضور الأمريكي المستجد كفرصة جديدة لممارسة الضغوط على الجانب الفلسطيني لحمله على المزيد من الانخراط في المفاوضات العبثية، في وقت يدرك الجميع أن أي توجه جديد لإحياء المفاوضات الميتة يجب أن ينطلق من حمل إسرائيل على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية والاعتراف بالحقوق العربية المشروعة، أما غير ذلك فإنه لا يعدو كونه طحناً للماء حيث العودة إلى مفهوم المفاوضات غير المباشرة بعد الفشل الذريع للمباشرة؟!..
كما يجب أن يكون واضحاً لهذه الإدارة أن ممارسة دور الراعي النزيه تقتضي وجود رؤى واضحة ومحددة تقترن مع القدرة على إيجاد آليات تنفيذية من خلال ممارسة النفوذ على الطرف المعرقل، فلا يعقل أن يكون الراعي نزيهاً ومحايداً ومنحازاً وحليفاً في آن معاً.
إن المأزق الحالي، وكل الفشل الذي وصلت إليه العملية السلمية ناجم في الأساس عن تعنت وتطرف إسرائيل وهذا ليس بجديد لكنه يرتبط عضوياً هذه المرة بعجز أمريكي واضح وتراجع عن المواقف والالتزامات ورفض تحميل إسرائيل المسؤولية عما وصل إليه المسار التفاوضي.
وإزاء ذلك فإن المطلوب عربياً وفلسطينياً هو موقف موحد يضع المصالح العليا للعرب فوق كل اعتبار مع تحرك فاعل لدى المجتمع الدولي والأطراف المؤثرة في عملية السلام من أجل ممارسة القدر الكافي من الضغط لإجبار الحكومة الإسرائيلية على التخلي عن مواقفها المتطرفة والمتعنّتة.
بقلم شوكت أبو فخر