اليمن : من نفق الحسم الثوري الى دهاليز المتاهة الخليجية
تنفس اليمنيون الصعداء وهم يتابعون بتوجس وفرح محبوس الأنفاس توقيع الرئيس الفخري علي صالح على المبادرة الخليجية وما ان بدا بألقاء كلمته التاريخية حتى بدا انفراج الابتسامة في الوجوه تتقلص وبدى ان البلاد على اعتاب متاهة جديدة وفصل اكثر سواء من ذي قبل ، فرغم اهمية الحدث وجسامة دلالاته الا ان صالح لم يرتقي الى مستوى ذلك الحدث التأريخ وكأن بينه وبين التأريخ خصومة او ثأر ، امر طبيعي لأن التأريخ موصد الأبواب امام اصحاب المشاريع الصغيرة
.
لم يختلف خطاب صالح ومنطقه كثيرا عن سابقيه من الخطابات ولم تنخفض نبرة التحدي والتعنت الأرعن في صوته الأجش، وبات من المؤكد انه لم يتعظ بعد من دروس ربيع الثورات العربي ومصير من سبقوه الى مزبلة التأريخ ولا زال يعتبر اليمن وشعبها الثائر العظيم جزاء من اشيائه ومقتنياته الرخيصة اما الثمينة فقد هربها الى الخارج مبكرا ، فالتنحي والجنوح لرغبة شعبه في الخلاص من طغيانه في نظره تفريط بشيء من مكتسباته الخاصة ، وتوقيعه على المبادرة الخليجية تحت ضغوط الأمم التي هالها معانات شعبه انقلاب على شرعيته الوهمية التي روعت اليمنين واطاحت بأحلامهم وتطلعاتهم على مدى "33" عاما من التسلط والاستبداد الأكثر همجية في تأريخ اليمن ، ما يوحي بسيناريو جديد سيئ النية والمقصد بدت ملامحة اكثر وضوحا في احاديث " البركاني ، الصوفي ، والشامي " وغيرهم من الأبواق في الفضائيات العربية .
لقد علق اليمنيون طيلة عشرة اشهر من بدا الثورة في نفق الحسم الثوري وقدموا الكثير من التضحيات من دمائهم وعرقهم وقوتهم في ضل المعاناة والتأزيم المفتعل لمعيشتهم برفع الأسعار بصورة جنونية وقطع التيار الكهربائي وغيرها من الخدمات الحياتية ، وكلما بدى على نظام صالح المتهاوي ملامح الأعياء والوهن وبات الحسم الثوري وشيكا كان يحدث شيء ما غير معلوم تتراخى بفعله اوتار الحسم الثوري ويتلاشى صوت سنفونيته الملحمية لتغدو اقرب الى النحيب المبحوح فيعلو بالمقابل نعيق السبعين نشازا يصم الآذان .
على المعارضة والقوى السياسية الفاعلة ان تعترف بعجزها عن مجاراة هذا النظام في الاعيبه ومناوراته واكاذيبه وعليها ان لا تغار اذا ما حصل صالح على جائزة " عوبل " "1" للمراوغة والكذب و " التدليس " مناصفة مع عبده الجندي ، وعلى المعارضة ايضا ان تتهئ لخوض الكثير من الألاعيب والحيل البهلوانية التى عرفناها ايام الطفولة مثل "الغماية" و "معصرة السليط" وغيرها من الاعيب صلح التقليدية والمبتكرة والتي سيبدا معتركها من الآن في دهاليز المتاهة الخليجية .
فصل جديد سيبدأ بتنفيذ المبادرة الخليجية سيكون اكثر مللا وحرقا للأعصاب ستشتد معه وطاءة المعاناة على اليمنيين ويزداد نهم بقايا النظام الفخري على القتل والتدمير والاستقطاب الرخيص ، ومادام نظام صالح يتنفس اصطناعيا في الحاضنة الملكية فأن المخاض سيكون طويلا وشاقا ولا مفر في النهاية من المحذور الذي ضل يطل برأسه بين الفينة والأخرى على مدى عمر الثورة السلمية وسيمنح صالح وحلفائه المتربصين بثورة الشعب السلمية المزيد من الوقت .. الوقت الذي يخطئ البعض في تقدير تبعاته وآثاره على قوى الثورة وعلى عامة اليمنيين المطحونين بالعقاب الجماعي والإفقار الممنهج والمدمر ومهما كانت قدرة هذا الشعب المكابد على على الصمود في وجه العثرات والمحن فقد يأتي الوقت الذي ينفذ صبره ويفقد تمالكه فيقلب الطاولة على رؤوس الجميع مستبدين ومقاولين ، سلطة ومعارضه .
"1" جائزة عوبل ـ نسبة الى العوبلي الذي يدعي البعض انه عراف الرئيس علي صالح