قانون الحصانة الذي تضمنته المبادرة الخليجية المتوجة بتوقيع الأطراف السياسية والذي صدر على شكل قانون محصن غير قابل للطعن والمناقشة يعد هو بحد ذاته فتيل لأزمات قادمة ستنفجر حتما لأنه لم يعالج المشكلة من جذورها حتى مع التعديل الجديد لمشروع قانون الحصانة بل شكل مخدر آني وحل يرضي كل الموقعين عليه أدناه لأنهم جميعا يحفلون بسجل غير مشرف ..
لقد كنا في اليمن بحاجة إلى قانون المصارحة والمصالحة ، لا يمكن وتحت أي ذريعة أن تمنح صكوك العفو على إطلاقها فلا احد يملك إن يغفر الذنوب ما تقدم منها وما تأخر إلا الله ولذلك طالبنا ولازلنا نطالب أن يستجيب أصحاب القرار للمصلحة الوطنية وان يبادروا إلى استبدال قانون الحصانة بقانون المصارحة والمصالحة والذي يتضمن تشكيل لجان قضائية في كل المحافظات مهمتها تقبل شكاوي المواطنين وسماع الشهود وللمدعي عليه أن يقر بذنبه وما ارتكبه من أخطاء في فترته السابقة وان يصلح ما يمكن إصلاحه وان يطلب الصفح عن ما بدر منه حتى يتم إدماجه في مؤسسات الدولة من جديد ، بدون هذه المصارحة لن تتكشف العيوب ولن تتلاشي طرق النهب من أموال الدولة التي ابتكرتها عقولهم ..علينا أن نكون جادين في هذه القضية وإلا تحولت ثورتنا إلى مجرد أعمال شغب لا قيمة لها .
إن بناء الدولة يتطلب التضحية وان يبادر أيضا من خرجوا من اجل الدولة المدنية إلى تقديم جرد حساب أمام الشعب بكل ما اقترفوه سابقا حتى نستطيع أن نرمم الثقة التي هدمت بيننا وبينهم ..
لن نكون في اليمن مبتدعين لفكرة المصارحة والمصالحة فقد سبقتنا دول أخرى استفادت منها لعل أهمها جنوب إفريقيا (
1995-2000
)
التي اعتمدت لجنة ( الحقيقة والمصالحة ) لتصور العفو المشروط أو الجزئي كسبيل لتحقيق العدالة بدلا عن العدالة العقابية فعوضا عن تقديم المنتهكين لحقوق الإنسان إلي المحاكم اعتمدت اللجنة جلبهم للإعتراف بأخطائهم وطلب الصفح ممن ألحقوا بهم الأذى . تلقت اللجنة حوالي 7000 طلب للعفو، أغلبيتها كانت ممن يعملون في الأجهزة الأمنية والقمعية الحكومية وكانت لجنة أخرى من اللجان الفرعية التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة – وهي لجنة العفو المستقلة ذاتياً، والتي ترأسها قاض في المحكمة العليا – مسؤولة عن النظر في هذه الطلبات والبت فيها. وجرى البت في العديد منها على أساس الأوراق المقدمة، من دون عقد جلسة. لكن في 1000 حالة على الأقل ، تم التوصل إلى قرارات حول الطلبات عقب عقد جلسات ع
لنية أمام لجنة العفو. ومن بينها حوالي 50 حالة تتعلق بمقدمي طلبات كشفوا بأنهم هم أو أفراداً آخرين في الشرطة استخدموا التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة الشديدة ضد المعتقلين أو ضد أفراد اختطفوهم وقتلوهم فيما بعد ، وهانحن نرى كيف تحولت جنوب إفريقيا بعدها تحظى بإحترام العالم كله .
لا يمكن التفريط بحقوق الناس والوطن بجرة قلم فالنفوس محتقنة ومن فقد عزيزا عليه لن يتحمل رؤية القاتل يتمتع بمزايا السلطة من جديد وحتى الأموال العامة المنهوبة والأراضي المغتصبة لابد أن تعود إلى أصحابها وان تكون هناك آلية لمعالجة كل حالة بحيث لا يتضرر كثيرا من يبادر للكشف عن جرائمه السابقة طواعية إلا ما يتعلق منها بالدم فأوليائه أحق الناس في العفو من عدمه مع حثهم على إتخاذه من اجل الوطن وبالتعويض الملائم ..
نعلم مسبقا أن الفساد والإنتهاكات لم تكن صادرة من السلطة فحسب وان هناك من صفوف المعارضة من مارسوا الدور نفسه لذلك هم مطالبون قبل غيرهم أن يكون صادقين مع أنفسهم ومع مارفعوه من شعارات ومع جماهير الشعب التي آمنت بمبادئ ثورة التغيير.
نحن لا نطالب بتطبيق ما تعلمناه في قانون العقوبات علينا أن نعطي هذه اللجان الصلاحيات ليصبح رأيها قانونا لهذه الحالات وبدون ذلك سيبقى هذا الموضوع قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في وجه الجميع وستنتقل اليمن من أزمة إلى أزمات أخرى يصعب حلها لأننا لم نكسر عجلة الأزمات في اليمن بل غيرنا مسارها فقط.