شهدت الأمم المتحدة منذ تأسيسها في عام 1945م العديد من النزاعات في العالم ولم تتمكن من حلها بسبب هيمنة القوى الاستعمارية التي حالت دون الحل بالطرق السلمية وفقا لما نص عليه ميثاقها الذي تضمن مجموعة من المبادئ الأساسية التي من شأنها لو تم تطبيقها بشكل عادل ضمان الأمن والسلم الدوليين خاصة وان هذه المبادئ تقوم على المساواة بين الدول الأعضاء وكذلك على مبدأ سيادة كل دولة على أراضيها واحترام استقلالها ومن أهم هذه المبادئ.
-
مبدأ المساواة القانونية بين الدول الأعضاء وممارسة هذه الدول لحقوقها التي نص عليها الميثاق دون تمييز.
-
مبدأ سيادة الدولة على أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام استقلالها .
-
إعطاء الأولوية في النزاعات الدولية للحل السلمي على الحل العسكري.
-
مبدأ التعاون بين الدول الأعضاء في العديد من المجالات لما فيه خدمة الدول الأعضاء وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
-
عدم خضوع قضايا الدول وحقوقها لموازين القوى الدولية.
لكن هيئة الأمم المتحدة وبسبب سياسة استغلال مؤسساتها لخدمة قوى الهيمنة جعل منها غير قادرة على تأدية دورها وتنفيذ مهامها المحددة في ميثاقها حيث تحولت هذه المؤسسات هياكل تنفذ ما يملى عليها، مما جعلها تفتقر إلى الاستقلالية في اتخاذ القرارات العادلة محل الأزمات بل تفرض عليها هذه القرارات وفقا لحل لمصالح الدول المتنفذة وليس وفقا لقناعات الدول الأعضاء ونظرتها الموضوعية بعيدا عن تأثيرات سياسات تلك الدول "المتنفذة" وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الأوروبية ذات التاريخ الاستعماري البغيض، بمعنى أن قرارات هيئة الأمم بمعظمها تصب في خدمة هذه القوى وبما يتنافى مع المصالح الدولية ومع السلم والأمن الدوليين، وقد أوقع هذا السلوك الأمم المتحدة في ضعف شديد جعلها غير قادرة على تطبيق ميثاقها والقواعد والأسس التي قامت عليها وبخاصة دورها المتمثل في الإسهام في إيجاد حلول عادلة للنزاعات الدولية. ولو أخذنا القضية الفلسطينية التي تمثل جوهر الصراع العربي – الصهيوني مثلما هي القضية المركزية للأمة العربية كنموذج للقضايا التي تعاملت معها المنظمة الدولية بعد قيامها بسنتين وبالتحديد في اليوم الأول من نيسان عام 1947م لوجدنا فشلها في الوصول إلى حل عادل يضمن لأصحاب الحق حقوقهم المشروعة وذلك بسبب انحياز الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاستعمارية الأخرى للكيان الصهيوني الذي اغتصب الأرض وشرد أصحابها بالقوة كما شجعت مواقف وسياسات هذه الدول الكيان الصهيوني التمرد على قرارات الأمم المتحدة التي مالت أحيانا إلى إحقاق العدالة. وبخاصة القرار 194 الصادر في الحادي عشر من شهر كانون الأول عام 1948م وكان التزام الكيان الصهيوني بتطبيق هذا القرار شرطا لقبول عضويتها في الأمم المتحدة ولكنها لم تنفذ وتمردت بل لم تعترف بهذا الحق، ورغم ذلك وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية أصبح الكيان الصهيوني عضوا دون الأخذ بالشرط المذكور.
هذا إضافة إلى فشل الهيئة الدولية في تطبيق قرارات أخرى عديدة بل أكثر من ذلك تراجعت المنظمة الدولية عن قرارات اتخذتها خضوعا للضغوطات الولايات المتحدة على الدول الأعضاء ويكفي أن نتوقف عند القرار 3379 الصادر في العاشر من تشرين الثاني عام 1975م والمتضمن مساواة الصهيونية بالعنصرية والذي تم سحبه والتراجع عنه تحت الضغط الأمريكي في كانون الأول من عام 1991 وبأغلبية (111) صوتا من أصل (166) عضوا في ذلك الوقت.
وهذا يؤشر وبشكل واضح على سيطرة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة وهيئاتها المتعددة وبخاصة مجلس الأمن الدولي بحيث توجه هذه الدولة ومن معها المنظمات الدولية وفقا لمصالحها وتوجهاتها سياسيا واقتصاديا.
وبالأمس القريب تم عرض موضوع الأزمة السورية على هذه المنظمة، وبتوجه بعيد عن الحقيقة والوقائع على الأرض بمعنى أن القرار الذي تم عرضه هو قرار تمت صياغته ليخدم مصالح الكيان الصهيوني الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وفيه ظلم وتزوير فاضح أكدت هذا التزوير بعثة المراقبين العربية التي اعترفت بوجود إرهابيين يعتدون على قوات الجيش والأمن والنظام وعلى مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة، لكن جبروت القوة والمال جعل الأغلبية في هذه الهيئة ينحازون إلى الباطل الذي إرادته الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء من الدول الأوروبية والتابعين من العرب، وقد جاءت نتيجة التصويت الضالة لتؤشر على الواقع الذي تعيشه المنظمة الدولية وهيئاتها مما ينذر بأشد الأخطار والكوارث السياسية والعسكرية على امتنا العربية وبخاصة الأقطار العربية الوطنية التي تتمسك بالحقوق الوطنية والقومية وتأتي هذه الأخطار جراء الدفع باتجاه الضغط على قطر عربي يدافع عن أرضه وشعبه مثلما يدافع عن أمته ومصالحها.
وجاء قرار الجمعية العمومية ومن قبلها مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ قرارا معاديا لهذا القطر العربي أفشلته "دولتان تتأصران الشعوب المظلومة "روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية"، جاء هذا القرار الذي اتخذته أغلبية الأعضاء ضد سورية يهدف في مضمونه وصياغته النيل منها مثلما تعكس نتائج التصويت موازين القوى داخل هذه المنظمة التي أصبحت تحركها وتديرها القوى الاستعمارية ، مما أبعدها عن مبادئ الحق والعدل التي أكد عليها ميثاقها بمعنى أن الخرق الذي أصاب الأمم المتحدة بميثاقها ومفاهيم القانون الدولي مثلما أصاب أداء هذه المنظمة قد جعلها تتخذ قرارات خاضعة لتوجهات سطوة الدول الاستعمارية على هذه القرارات التي تنال من الحقوق واحترام سيادة الدول الأخرى.
وفيما عرضنا بشكل مختصر حول قضية الصراع العربي – الصهيوني وحول سورية في الأيام الأخيرة الدليل الواضح والموقف الفاضح لقوى الاستعمارية في هذا العالم. ولكن هذا الوضع لن يستمر في ظل تحرك القوى الحية الداعمة للعدالة الدولية وحقوق الشعوب المظلومة في هذا العالم أيضا.