التاريخ : الجمعة 09 يونيو-حزيران 2023 : 11:10 مساءً
نصر الدين البحرة
طباعة المقال طباعة المقال
بحث

  
شعراء مغمورون
بقلم/ نصر الدين البحرة
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و يوم واحد
الأحد 06 ديسمبر-كانون الأول 2009 07:02 م

في مهاتفة بيني وبين صديق حلبي، مثقف ذواقة يحفظ الشعر ويرويه، هو الأستاذ أسامة عاشور.
قلت له: أنت تذكّرني يا أبا ناصر بأبيات الشاعر:
لوكنت من مازن لم تستبح إبلي     بنو اللقيطة من «ذهل» بن شيبانا
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم          طاروا إليه زرافات ووحدانا
لايسألون أخاهم حين يندبهم         في النائبات على ما قال برهانا
سمعت صوت فرح أسامة على السماعة عبر المسافات. وقال: مهلاً فإني أريد أن أكتبها، وقد كنت أعرفها وأحفظها ولكني نسيت.
وفيما كنت أمليها على الصديق العزيز، مددت يدي إلى مجلدات «الأعلام» لخير الدين الزركلي، أريد أن أتأكد من اسم قائلها: فإذا شاعر الثورة السورية الذي شاء أن يقدم لنا فضلاً آخر، في زمن جميل من حياته. عبر «أعلامه» يروي غليلي، وإذا اسم الشاعر «قريط بن أنيف»، والظاهر أن الزركلي لم يتمكن من معرفة تاريخ ميلاده ووفاته، فإذا هو يضع نقاطاً في المكان المخصص لذلك في معجمه، لكنه أوضح أن الرجل عنبري تميمي، وهو شاعر جاهلي.
أما القصة التي كانت وراء هذه الأبيات المقتطفة من قصيدته، فمؤداها، أن بعض بني شيبان أغاروا عليه وأخذوا ثلاثين بعيراً له، وخذله قومه، فاستنجد ببني مازن، فنهبوا من بني شيبان مئة بعير، ودفعوها إليه، فقال شعره، وهذه الأبيات كما يقول الزركلي هي من عيون الشعر.
افتتح أبو تمام كتابه «ديوان الحماسة» بمختارات منها، وقال: إنها لبعض بلعنبر أي بني العنبر، دون أن يسمي صاحبها قريط بن أنيف، وثمة مَنْ ينسب هذه الأبيات إلى غيره من الشعراء.
ثمة بيتان آخران من الشعر، قلّ مَنْ يعرف صاحبهما: مثل بعض الشعر الذائع حتى يكاد يشبه المثل، دون أن يعرف قائله، ولربما كان شاعراً مشهوراً مثل أبي الطيب المتنبي في قوله:
 ما كل ما يتمنى المرء يدركه   تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
قرأت واحداً منهما قيل في نهاية الخمسينات، وكنت في السجن، وقد جاءني بعض أهلي يومذاك كعادتهم كل أسبوع، بكتب بينها «قصائد» الشاعر التركي ناظم حكمت، وقد ظل هذا الكتاب معي حتى نهاية الفترة، وقصة للدكتور يوسف أدريس عنوانها: «جمهورية فرحات».
وفيما كنت أقرأ مر بي بيت الشعر ذاك في قصة الدكتور أدريس:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها    فرجت، وكنت أظنها لاتفرج
وضعت علامة، على تلك الصفحة من الكتاب وأغمضت عيني، ورحت أتخيل، رأيت الشدة وقد هانت، والفرج قريباً، كما قال الشاعر تماماً، وخيّل إليّ أن الجدران تتباعد، وأن القضبان تلتوي، وأن الأبواب تفتح، وأنني خرجت من ذلك المكان الذي يضيق الصدر فيه، حتى لكأن الروح تصّاعد نحو الملأ الأعلى.
بقيت أذكر هذا البيت منفرداً وحده حتى أيام قليلة ماضية، ففيما كنت أسمع بعض الإذاعات، علمت أنه لشاعر يدعى: الصنوبري، وأن ثمة بيتاً آخر سابقاً، قال فيه الشاعر:
 ولرب نازلة يضيق بها الفتى  ذرعاً، وعند الله منها المخرج
ولم يكن بد من أن أفزع مرة أخرى إلى الزركلي، و«أعلامه» المصدر الأيسر والأقرب إلى التداول، وقد أفادني أن اسم الشاعر هو أحمد بن الحسن الضبي الحلبي الأنطاكي، وهو شاعر اقتصر في أكثر شعره على وصف الرياض والأزهار، وكان ممَنْ يحضر مجلس سيف الدولة، تنقّل بين حلب ودمشق، وجمع الصولي ديوانه، ونشر د. إحسان عباس مخطوطة يظهر أنها الجزء الثاني من ديوانه، لم يُعلم تاريخ ميلاده، ولذلك اكتفى مؤلف الأعلام بذكر سنة وفاته 334هـ -946م.
ثم.. ماذا بعد؟
ربما استطاع بعضهم أن يحصي عدد الشعراء العرب منذ الجاهلية حتى الآن، وربما وضع آخرون ثبتاً بدواوين هؤلاء الشعراء، ولاشك أن بينهم أعلاماً كباراً، دُرست حياتهم وقصائدهم ووضعت كتب كثيرة عنهم، كأصحاب المعلقات، وشعراء بني أمية وبني العباس.. الخ
ولكن ثمة بجانب هؤلاء المشاهير، شعراء قد يكون بين قصائدهم ما قد يبز بعض قصائد الكبار.. فما الذي كتب لهذه الأشعار أن تظل مغمورة، فعدنا لا نذكر منها -إن ذكرنا -سوى البيتين أو الثلاثة؟!
أيمكن أن يكون هذا واحداً من وجوه الحظ والمصادفة.. أم إن ثمة سبباً أو أسباباً أخرى يجب البحث فيها.. وعنها؟

تعليقات:
تعليقات:
ملحوظة:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع حزب البعث العربي الإشتراكي-قطراليمن نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى ثقافة و فنون
ثقافة و فنون
منظار الفضاء هيرشل يلتقط صورا لولادة النجوم
ناصح امين
ثقافة الوعي القومي العربي
د. فاروق اسليم
الدكتور محمود السيد
في محاضرته أوضاع اللغة العربية في الوطن العربي السياسة اللغوية العربية مازالت غائبة
الدكتور محمود السيد
طفولة العالم
توفيق أحمد
بعد تهريبها : اليمن يطالب دبي بإعادة (جنبية) الملك (بعل نتن)
نقلا عن مأرب برس
150 نموذج سلاح من تصميمه تسلح بها أكثر من 100 بلد في العالم
نقلا عن وكالات
الـمـزيـد