|
|
|
|
|
الإسلام السياسي: تحدي القومية والدين
بقلم/ د .عبد اللطيف عمران
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر و 9 أيام الإثنين 29 يوليو-تموز 2013 11:27 م
واقعياً: لم يحظَ توالد الأزمات الناجمة عن المشهد الاحتجاجي العربي بالدراسات النقدية الكافية والقادرة على رسم آفاق المخرج من المخاطر المحدقة بالعروبة والإسلام.
فمن الواضح أن التطورات على الساحة السورية في غاية الأهمية نظراً إلى الدور التاريخي والجيوسياسي الذي يُنتظر من هذا البلد العريق والفاعل عربياً وإسلامياً في زمن صار فيه الدين مصدراً ومصدّراً للعنف، زمن جديد تتشكّل فيه الهويات الطائفية والمذهبية العابرة لحدود الدولة الوطنية بوظيفتها وببنيتها التي أضحت تقليدية وعرضة للعبث والتغيير. وصار هذا التشكّل عابراً ومتجاوزاً للهوية وللحدود الوطنية والقومية، وهذا واضح من أطياف المجموعات الإرهابية المسلحة الوافدة على ميدان الأزمة في سورية.
وفي الواقع فقد تمكّن تحالف الرجعية العربية والقوى الصهيوأطلسية من استثمار جديد للإسلام السياسي باعتباره مصطلحاً فضفاضاً، ومرحلياً، وغير دقيق وغير مستقر، وأعاد توظيفه في وقت افتقَر فيه المشروع القومي العربي وخطابه إلى المراجعة النقدية. فلم يعد هذا المشروع واقعياً، بل صار عقيدة وهدفاً فحسب، وقد ضعضعه ضعف الاستراتيجية السياسية اللازمة للتنفيذ، مقابل قوة الاستراتيجيات المضادة. وهذا ما يزيد ثقل الأعباء المناطة تقليدياً بالدولة الوطنية السورية، وبقيادتها السياسية "ولا سيما الجديدة" التي طالما كانت معقد الأمل في الخروج من الأزمات الوطنية والعربية، وخاصة أننا أمام توظيف جديد للإسلام السياسي بمهمة خفية خبيثة كثيراً ما عجز الغرب عن تنفيذها فلجأت مركزيته الاستعمارية إلى أدوات محلية جديدة خطيرة.
> تاريخياً: لا شك في أن الاهتمام بالصدام مع الإسلام بدا واضحاً مجدداً بعد انهيار منظومة أوروبا الشرقية الاشتراكية، فاخترع الغرب عدواً جديداً له بعد الشيوعية هو الإسلام. وارتفع مجدداً صدى دراسات المستشرقين التي وُظِّفت استخباراتياً لخدمة المركز الاستعماري في الغرب، والتي يمكن اختصارها بآراء هنتنغتون في «صراع الحضارات» 1996، ويرى فيه أن الإسلام هو الإسلام، وهو كله خطر نظراً الى البعد الإحيائي فيه، وأن الصراع القادم - مابعد الحرب الباردة - هو بين الحضارات، وليس بين الدول القومية.
ولمفكري الغرب وقادته دور تاريخي في العبث والاستبداد بالإسلام والمسلمين شعوباً وهوية ودولاً وقوميات، فبعد أن كان روّاد حركة النهضة والتحرر العربية من الاستعمارين العثماني والغربي هم من بين كبار رجال الدين الإسلامي والمسيحي، اتجه الغرب الى مصادرة هذا النزوع التحرري، ولاسيما بعد أن نشأت وانطلقت منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية - الأمريكية اللاتينية في مؤتمر باندونغ 1955 بدعم قادة كبار منهم: نهرو - تيتو - عبد الناصر، فكان الرد بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وبإنشاء المؤتمر الإسلامي عام 1957 بجهود سعودية وباكستانية بعد توظيف الوهابية في السعودية، والإخوان المسلمين في مصر، و"الجماعة الإسلامية" بزعامة أبي الأعلى المودودي الذي انتقل من الهند الى باكستان وفيها اعتقل وحُكم بالإعدام.
إذن نشأ الإسلام السياسي كردّة فعل مباشرة من الغرب على المُنجز النهضوي التحرري للكواكبي والأفغاني ومحمد عبده وعبد الحميد بن باديس وخير الدين التونسي وعبد القادر الجزائري...
وهذا مادفع بعدد من الباحثين ليروا أن الإسلام السياسي كان سيجد صعوبة كبرى في الانتشار خارج السعودية وباكستان لولا الدعم الغربي المستمر، لذلك من الطبيعي أن يقف الإسلام السياسي اجتماعياً مع الرأسمالية وقوى الهيمنة الامبريالية في خندق واحد دفاعاً عن الرجعية القديمة والحديثة، وعن متطلبات توسّع دائرة علاقات الإنتاج والتوزيع الرأسمالية، وعن مبدأ الطبيعة المقدًّسة للملكية، وبهذا يُقدًّم الخطاب الإسلامي السياسي كبديل للحداثة الرأسمالية، فيكون ذا طابع سياسي، وليس دينياً، يهتم بالحكم والسلطة أولاً.
> بالنتيجة: هذا التداخل والتشابك بين البعدين الواقعي والتاريخي للمسألة يتطلب من العروبيين والمسلمين الحقيقيين أن يقفوا ضد تحوّل الدين والمذهب إلى قومية، بعد أن اتضح «أن الهوية العربية معتدلة في كل شيء اجتماعياً وثقافياً وسياسياً ودينياً لأنها تمثّل تمازج الحضارات عبر آلاف السنين.. وأن الدين أعلى من السياسة ومن يستخدمه لمصلحة سياسية سيسقط، وأن الإخوان المسلمين أول من خلق شرخاً أساسياً بين العروبة والإسلام..» حديث الرئيس الأسد إلى صحيفة الثورة 2/7/2013.
وبهكذا أفق وموقف تستطيع الأمتين العربية والإسلامية حرمان القوى المضادة من استغلال صفاء الإسلام التاريخي الذي يمكن أن يُختزل بالرأي الحضاري للخليفة الراشديّ الرابع في وصيته إلى أحد ولاته قائلاً “ولا تنقُضنّ سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة”- صدور ولم يقل صدر- ونقله إلى إشكالية الإسلام السياسي الموظًّف والمتشكّل «من تلك الأحزاب التي تستغل الدين لصالح أهدافها الفئوية الضيّقة، والتي تعتبر أنك عندما لا تقف معها سياسياً فأنت لا تقف مع الله شرعياً.. هؤلاء الذين يتشددون على أبناء دينهم وبلدهم وقوميتهم ويتساهلون مع الغرب والإسرائيليين» مقابلة الأمين القطري للحزب مع صحيفة البعث 10/7/2013.
مع هكذا رأي وموقف لا يُحتاج إلى كلام.. فالإسلام حقيقة هو الإسلام، ومعيار مشروعه الديني والقومي هو بحجم تصديه للمشروع الصهيوني «فالقضية الفلسطينية جوهر الهوية العربية». |
|
|
|
|
|
|
 |