«محلى بنات الجبل حنما يطوفين المدينة بالثياب الدمس..
خدود مثل الورد ضوء الفجر أرواها وأعطاها المشاقر حرس
محوطات الوجوه البيض بالكاذي المسقى في برود الغلس»
الشاعر اليمني عبد الله
عبد الوهاب نعمان (الفضول)
العروس إكليل الجبل. جبل صَبِر، حيث الحياة، الموت والجمال في مزيج مختلف وآسر.. هو ثاني أعلى جبل في الجزيرة العربية والشام بعد جبل النبي شعيب، ويصل ارتفاعه إلى ما يقارب ثلاثة آلاف متر من على مستوى سطح البحر.
يقع جبل صَبر في «المدينة الحالمة» ـ تعز ـ كما يحلو لسكان اليمن تسميتها. تسمى أيضاً «مدينة النجوم»، حيث يخط القمر على قمته أجمل أغانيه وأقربها للوعات العشاق. «إنه جبل مدور كثير الخيرات والفواكه والأخشاب وفيه العديد من القرى والحصون وله أربعة مسالك: الخشبة وبرداد وعتدان وجبأ»، كما وصفه ابن المجاور في كتابه «تاريخ المستبصر». أسهمت الطرق الجديدة التي تمّ تعبيدها في سهولة استكشاف أركان هذا المكان الذي يحبه الربيع ويقبل عليه. عندما تبدأ بالصعود إليه، تجد الكثير من المتنزهات التي هي في الأصل منازل لأهل الجبل، يفتحها أصحابها بالترحاب لكل الزوار، وهي المكان الذي يمكن للصاعد أن يرتاح فيه، كي يتمكَّن من رؤية المدينة بكل فتنتها.
وكلما ارتقى الزائر صعوداً، زاد المنظر جمالاً حيث يتحدّ جمال المدينة وخضرة الجبل ولؤلؤية السحاب في لوحة ساحرة، لذا ينبه السكان السيّاح بأنْ يبقوا أجهزة التصوير قيد الاستعداد. لا بدّ لمن يستمر بالصعود أن يصل إلى «قمة العروس»، وهي أعلى قمة في الجبل، فهناك تستطيع مصافحة الغيم، كما لو أنَّك في قصة خيالية من قصص الأطفال. حقاً، ليس من المستحيل لمس الغيم أو الجلوس عليه!
ثمة معلم تاريخي أيضاً، يُدعى جامع أهل الكهف، وهو المكان الذي يُعتقد أن قصة أهل الكهف حدثت فيه، وهم جماعةٌ مِنْ فِرقَةِ الآسِيِّينَ، وهي فِرقةٌ متأخِّرةٌ من اليهود، كانت تؤمن بشريعة موسى عليه السلام، وكانوا أوَّلَ من اتبع رسالةَ المسيح عليه السلام، ممَّا عرَّضهم للظُّلمِ والاضطهاد مِنْ قِبَلِ فِرقة الصَّدُوقِيِّينَ التي كان لها النُّفُوذُ والسُّلْطةُ آنَذاك، كما جاء في القرءان الكريم.
من المستحيل على زائر المكان، أثناء صعوده، أن لا يرى على طول الطريق، الفتيات الصغيرات والشابات وهن بلباسهن التقليدي الملون والجميل، واللواتي يضعن على رؤوسهن (المشقر) وهو باقة من الشقر (الحبق) والورد، وفي كفوفهن باقات من الورود والريحان للبيع. على طول الطريق، من قاع الجبل حتى أعلى قممه، تجدهنّ يبعن الباقات للمارة، إذ يعشن من ثمنه، البعض منهنّ يوفرن من هذا الثمن قوت يومهن، والبعض الآخر يدعمن أسرهن أو يوفرن الرسوم الدراسية.
ينهضن مع الشمس ولا يغادرن إلَّا بغروبها، لذا ارتبط الجبل بهنّ وارتبطن به اجتماعياً وموروثاً ثقافياً:
«جبل صبر ملوي ثلاث ليّات
ليّة بنات وليتين غصون قات»
أي بعد كل منعطفين، هناك منعطف تتجمع فيه فتيات الورد، الشذاب الذي يبعنه ليساهمن في الاحتفال ببدء حياة جديدة حيث لا يخلو مكان الوَلاد أو الوالدة وهو المكان الذي تستقبل فيه الأم زوارها من المهنئين من البخور والورد والشذاب لرائحته الجميلة واعتقادهن بأنه حرز من العين بالإضــافة إلى العروس.
ويشاركن أيضاً في توديع الراحل حيث أنه في الموروث الشعبي يرفق الريحان بالميت بصفته نباتاً من نباتات الجنة، كما جاء في القرءان. هكذا يشتركن في صناعة ثنائية الحياة والموت.
هذه المهنة، التي كافحت بها النسوة جنباً إلى جنب في مواجهة القات الذي ينتشر إلى جانبي الجبل، محاولة منهن لجعل بيع الورد السمة الأجمل والأبرز للسياحة ولتجارة سكان الجبل جنباً إلى جنب مع الفاكهة والخضروات التي يعج بها كل عام.
نقلا عن صحيفة السفير اللبنانيه