|
|
|
|
|
القراءة في أزمة.. وخير جليس يعاني الوحشة
بقلم/ وليد صوان
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 9 أيام الثلاثاء 26 إبريل-نيسان 2011 05:54 م
مشكلة هذا الجيل أنه لايقرأ، ولولا ارتباط الشباب بالجامعة لكان مكان الكتاب على الرفوف ليعاني الوحشة، وهو من وُصِفَ يوماً ما بأنه خير جليس في الأنام. هذه عبارات لطالما تردد صداها عند الحديث عن عزوف الشباب عن القراءة، التي أصبحت تشكل ظاهرة مقلقة على المستويين الراهن والبعيد.
بعض الشباب وصفوا علاقتهم بالقراءة أنها بائسة، كالطالب في معهد الاتصالات أيهم السهلي حيث اعتبر أن بعض الشباب متأثر بحالة سماها "بالتثاقف" إذ يرى أن هذه الفئة من الشباب لا يقرؤون لكنهم يرددون معلومات وأفكاراً سمعوها، وليست ناتجة عن فهم ووعي واطلاع.
وذكر السهلي أن ذلك يظهر خطأ الشباب الفادح في بعدهم عن القراءة، لأن من يصنع أمة حقيقية هو الكتاب، مشيراً إلى أن الأساطير دفعت الناس للقراءة، والأديان حثت عليها أيضاً.
واعتبر أن ما يحتاجه الشباب ليصبح الكتاب صديقاً لهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ليعبروا عن ذاتهم بشكل صحيح، محملاً الأهل المسؤولية لأنهم لم يحضوا أبناءهم على القراءة وعدم وعيهم بدورها في بناء المجتمع.
وقسمت الطالبة مها سلام في السنة الثانية من كلية الحقوق الشباب إلى ثلاث فئات: الأولى مثقفة لديها وقت كبير للقراءة، وأخرى متوسطة لديها مستوى قراءة يتأرجح بين المقبول والأقل منه بقليل، والفئة الثالثة لا تقرأ أبداً.
وأكدت سلام أن موضوع القراءة ذاتي فالشباب الذين لا يقرؤون يكون في داخلهم ابتعاد شخصي عن الكتاب، لافتة إلى أن العزوف عن القراءة يعود لطبيعة العصر الاستهلاكية حيث يفتقر فيه الإنسان للاستقرار ما يدفع الشباب للسعي لتأمين مستقبلهم وتحقيق الاستقرار الأسري.
بدوره الباحث الأكاديمي ماجد أبو ماضي رأى أن الكتاب لم يمت وهو الأفضل أولاً وأخيراً بما يحتويه من معلومات وأفكار وقضايا يناقشها فهو موثق أكاديمياً.
وذكر أبو ماضي أن الكثير من الشباب يعولون على الإنترنت، مع أنه لا يمكن الوثوق به في الحصول على المعلومة الصحيحة، لأنه تجميع لكتّاب وباحثين مختلفي وجهات النظر، يضعون رؤاهم ضمن الموقع الإلكتروني، فقد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً.
وشدد على أننا نعيش في عصر الشاشة من تلفزيون وحاسوب وهاتف نقال، وهذه الشاشة مغرية ببريقها وألوانها وجاذبيتها بنقل الحدث لحظة وقوعه لكنها لا تستطيع أن تكون بديلاً عن الكتاب، فمن يظهر على الشاشة يكون قد عاد إلى الكتاب ليحضر ما سيقول أمام الشاشة، فمهما بلغت إغراءات الشاشة لن تكون بديلاً عن الكتاب.
كما قال أبو ماضي: "إننا نجلس ساعات طويلة لمتابعة ما يعرض على الشاشة، وهي لا تعطي ودّاً وحميمية، فهناك جهاز وسيط بين المشاهد وبينها، لذلك لا يمكن أن نأخذ من الشاشة معلومات وأفكاراً بعمق، على العكس من الكتب التي تحوي الكثير من معلومات معمقة عن مختلف التخصصات".
وعن ارتفاع أسعار الكتب وأثرها في أزمة القراءة رأى أبو ماضي أنها تتفاوت من إنسان إلى آخر حسب دخله المادي، مذكراً بحسومات وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب على الكثير من الكتب في المعارض التي تقام في الكليات الجامعية.
كما شدد الباحث الأكاديمي على أن من يريد أن يستزيد في الحصول على معلومات كبيرة من المطالعة لن يعدم الحيلة ولو كان ذلك باستعارة الكتب.
وأشار أبو ماضي إلى ضرورة وجود مكتبة بالمنزل وتعويد الطفل على القراءة من الصغر، فالقراءة تبدأ من المنزل ثم المدرسة ومن ثم المؤسسات التي هي نواة المجتمع، وإذا عودت الأسرة أطفالها على المطالعة في أوقات فراغهم فإنهم سينشؤون على ذلك.
وحمّل مسؤولية ابتعاد الشباب عن القراءة إلى الأسرة والمؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات التي ينبغي أن تحض الطالب على البحث والتعمق من خلال القراءة، بالتالي تسهم بابتعاد الشباب عما هم منشغلون فيه من أمور لاقيمة لها.
في المقابل، تحدث مدير معرض جدل للكتاب قصي كيوان بنبرة تفاؤلية، فمنذ عشر سنوات حصل تحول عند شريحة الشباب، حيث كان المثقف السوري من الأشخاص المتقدمين بالعمر نوعاً ما، أي يزيد عن (45، 50) سنة، أما اليوم انتقلت الشريحة العمرية من (20، 35) سنة إلى فئة المثقفين.
وأرجع كيوان ذلك إلى الانفتاح والتنوع الثقافي والفكر المنفتح، وتصادمها بواقع يجب أن ترى من خلاله نتيجة ثقافة الشعوب والحضارات، فالمثقف المتقدم في السن أصبح مؤدلجاً بطريقة معينة أو شعر بالملل واليأس.
وأضاف "هذا ما لمسته خلال البيع المباشر للكتاب، فالشباب يشترون المواضيع كافة من دراسات استراتيجية ونقد للفكر الديني والكتاب السياسي، على العكس مما سبق، إذ إن هذه الشريحة العمرية كانت تتلقف الروايات فقط، ونحن فوجئنا بهذه النقلة النوعية».
كما رأى كيوان أن الانترنت وسيلة للتسويق، فالشخص يتصفحه ليبحث عن كتاب ما أو فقرة صغيرة، موضحاًً أن الإنترنت حل محل الكتاب في مجتمعاتنا العربية وهذا خطأ فادح، فيما نرى في المجتمع الغربي وتحديداً إنكلترا أن شعبها من أكثر الشعوب قراءةً للكتاب الورقي، دون أن يؤثر الإنترنت عليها.
وأجرى صاحب معرض جدل مقارنة لعدد النسخ المطبوعة للكتاب بين أوروبا وبلادنا العربية، حيث تتراوح عدد النسخ المطبوعة في أوروبا بما يتعلق بالطبعة التجريبية بين (1000و 5000) نسخة، أما لدى الدول العربية فعدد نسخ أي كتاب يسوق جيداً (1000) نسخة.
وأشار كيوان إلى دخول فئة عمرية جديدة من الشباب تتراوح أعمارها بين(15إلى 17) عاماً يتلقفون الكتاب بشكل ممتاز بينما هؤلاء لم يكونوا موجودين على الساحة كقراء بفترات سابقة.
من جانبه صاحب دار العيسى للنشر محمود الحاج أحمد أوضح أن هناك مبالغة كبيرة في القول إن الشباب بعيدون عن القراءة فثمة نظرة تشاؤمية مبالغ فيها.
وعن سبب وجود التفاوت في الإقبال على القراءة بين الأجيال السابقة والجيل الحالي أوضح الحاج أحمد أن الاحتياجات والمتطلبات المعيشية كانت قليلة عما هي عليه في الوقت الحاضر بالتالي يسمح دخل الفرد بشراء الكتب.
وأخيراً، إن بلادنا أحوج ما تكون اليوم إلى العلم الذي سيبقى قيمة وغاية ثابتة، وإلى الثقافة بوصفها جداراًمنيعاً بوجه رياح العولمة العاتية، وإعادة النظر في واقع يقبع فيه المتعلم والمثقف في أدنى درجات السلم الاجتماعي والاقتصادي، كي يكون المولّد للإبداع والفكر، والدافع للشباب في الإقبال على القراءة. |
|
|
|
|
|
|
 |