التاريخ : الإثنين 29 مايو 2023 : 05:56 مساءً
ريا خوري
طباعة المقال طباعة المقال
بحث

  
الهوية العربية والأمن القومي العربي
بقلم/ ريا خوري
نشر منذ: 9 سنوات و 8 أشهر و 3 أيام
الإثنين 23 سبتمبر-أيلول 2013 06:55 م

يرتكز الأمن القومي على مجموعة التدابير المتخذة، والاحتياطات الواجب تطبيقها بغرض تكريس السيادة الوطنية للدولة على أراضيها الإقليمية ووحماية مصالحها الداخلية والخارجية المرتبطة. وانطلاقاً من هذا التحديد العام لنظرية الأمن القومي نرى بأنّ َهذه الظاهرة تتفرع إلى تفاصيل تكوينية سياسية في بنيتها، فهي لا تقتصر على تعزيز القوة العسكرية، بل تشمل أيضاً السياسة الخارجية والتقدير الاستراتيجي للواقع الجيوبولوتكتيكي المحيط بالدولة المعنية، ومدى التناقض أو التقارب الأيديولوجي بينها وبين جوارها المباشر، ودراسة إمكانيات الدول ذات المصالح المتعارضة معها أو امكانيات الدول المعادية لها وقدراتها في كل المجالات، وتحديد نقاط القصور أو التفوق لدى هذه البلدان لاتخاذ الاحتياطات اللازمة في مواجهتها، أو تحديد حماية أمنية إزاء الأخطار المحتملة الظهور من قبل الأعداء المباشرين، أو توطيد صلات التقارب والتعاون بين البلدان الصديقة والحليفة للدولة المعنية، وتحديد إمكانية الحصول على مساندة لها في حالة نشوب صراع بينها وبين جهة معادية، كل هذا من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية والفكرية للشعب . 
   لقد أكَّد السيد الرئيس بشار الأسد في العديد من لقاءاته الإعلامية على موضوع الهوية والعمل على المحافظة عليها مهما كلف من أثمان، من خلال تحقيق المشروع القومي العربي المناهض للمشروع الصهيو-أمريكي – أطلسي الرجعي، ففي لقاء أجرته معه جريدة البعث يوم 10 / 7 / 2013 يقول: (هناك قلق كبير على هذا المشروع لأنه مستهدف دائماً سواء خفَّت المؤامرات عليه أم ازدادت شراسة، لكن الأمل هو أنَّ الهوية العربية بدأت تعود لموقعها الصحيح، ربما لأنَّ الهجمة هذه المرة كانت قوية جداً، فأعطت دفعاً للناس من أجل التمسك بها بشكل أكبر) .
 إن الهوية مفهوم يخضع لقوانين التطور، إلا أن ذلك لا يلغي الفهم العام لها، باعتبارها بصمة خاصة، تميز المجموعات، تتسع دائرة الهوية من أصغر وحدة في المجتمع، من المنزل، إلى الحي فالمدينة والمقاطعة ثم البلد بأسره، في الدول الحديثة، أو من الفرد فالعائلة ومن ثم العشيرة والقبيلة، أو أتباع الدين والطائفة، في مجتمعات ما قبل الدولة المدنية .
لقد أكَّد السيد الرئيس: (أنَّ هويتنا لا متطرفة دينياً ولا عربياً، هويتنا قومية عربية معتدلة، وللحفاظ عليها نحن بحاجة لعمل إعلامي عربي ثقافي سياسي ديني) وبقدر تطور المجتمع ونموه، تتشكل هويات بمعانٍ جديدة، معبرةً عن هذا التطور، فهي تتشكل على أساس انتماءات مختلفة، دينية أو طائفية أو إثنية، كما تشكل الأنشطة الاجتماعية، فنية أو رياضية أو ثقافية، هويات خاصة. وليس في ذلك ضير، مادامت هذه التصنيفات لا تشكل عبئاً على وحدة المجتمع، وأمنه واستقراره، فالهويات الصغرى هي نتاج للاجتماع الإنساني، وانعكاس للوظائف والمعتقدات والثقافات واللغات والأعراق التي تسود فيه ، ووجود الهوية قد يمتد ليصبح أوسع من هذا المجتمع وذاك، ومن هنا فإن هذه الهويات تكتسب صفة العالمية.
وتبرز الهوية، في كثير من الحالات، كعمل دفاعي، فبتحديد التمايز، تخلق دفاعات تحول دون اختراق المجتمعات، ومؤسسات المجتمع المدني، في العصر الحديث، اتحادات وجمعيات ونقابات وأحزاب، من أبرز وسائل الدفاع عن مصالح قوى المجتمع التي تمثلها.
إنَّ الهوية الوطنية هي نتاج تطور من الأشكال القديمة للحكم المستندة إلى مفهوم الغلبة، إلى بزوغ مفهوم الأمة المرتبط بالدولة المدنية، القائمة على العلاقات التعاقدية بين الحكام والمحكومين، وقبل هذه المرحلة، لم يكن هناك وجود للأمة، بشكلها المعاصر، الشكل الذي برز مع تأسيس الدولة االحديثة.
وفي هذا المنعطف من التاريخ، الذي تنوء فيه كثير من الأمم بصراعات قد تهدد وحدة الشعوب والأوطان، لا مناص إعلاء الهوية الوطنية وترسيخ روح المواطنة، واعتبار التنوع عامل تخصيب وإثراء للثقافة، ويبرز هذا واضحاً عند الحديث عن الهوية العربية، وتكريس مبدأ المساواة في الحقوق من دون تمييز.
 إن من المهم لمجتمعاتنا العربية، التي تتعرض لما تتعرض له، أن يسودها السلم الأهلي، القائم على إعلاء شأن الوطن، والقبول، في الوقت ذاته، بالتمايز والاختلاف، ويتحقق ذلك بتراجع دور الهويات الصغرى لمصلحة الهوية الوطنية، وتراجع قانون الغلبة لمصلحة مفهوم الأمة، الذي ساد قبل تأسيس الدولة/ الأمة دولة المواطنة، وهو مفهوم واسع ومتشعب، وموجه نحو الداخل والخارج معاً.
مع انتهاء الحرب الكونية الأولى، وشيوع مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون الأربعة عشر، اتفقت عصبة الأمم على إلغاء حق الفتح، وإعلاء مفهوم المواطنة، واعتبار مبدأ تقرير المصير حقاً لا يجوز المساس به . والمعنى المتضمن في هذه المبادئ هو رفض الاستعباد، بشكليه الخارجي والداخلي، فالاستعمار أضحى شيئاً مقيتاً، وشيئاً من إرث ما قبل قيام الدولة المدنية، دولة العدل والقانون، والدولة المدنية، باعتمادها القوانين الوضعية، أصبحت في خندق معادٍ للاحتلال، المتلفع بالرسالة العالمية، وكان ذلك تطوراً مهماً في الوعي السياسي لشعوب هذه المنطقة، رغم أن الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، حاولا اختراع مخارج قانونية مغلفة بالأخذ بشعوبنا نحو الرقي والتقدم، فاستحدثت مفردات الحماية والوصاية والانتداب لاستمرار هيمنة الغرب، لكن ذلك حمل في طياته اعترافاً صريحاً بإدانة الاستعمار.
إن دولة المواطنة، تتطلب الاعتراف بحق كل المواطنين في الاستخدام الإيجابي لمقدرات وثروات بلدانهم من غير تمييز، ولعل أهم معوق له هو طغيان الهويات الجزئية على هوية المواطنة. وليس من شك في أن الحد من تغول الهويات الصغرى يتطلب ثقافة جديدة، وإقراراً بالتعددية والتنوع، حال كثير من المجتمعات الإنسانية الأخرى، مع الإقرار بأن الظروف الموضوعية التي أسعفت الغرب للانتقال من هيمنة الكنيسة والإقطاع للدولة المدنية، لم تسعفنا في هذه المنطقة، والأسباب كثيرة، منها تعطل النمو السياسي والاقتصادي في مجتمعاتنا العربية،بسبب التدخل السافر للقوى الإستعمارية والقوى الرجعية، وضعف الهياكل الاجتماعية، لكن ذلك لا يلغي أهمية الفعل الإرادي الإنساني لخلق الظروف الموضوعية لتكريس دولة المواطنة، التي تشكل غطاء لجميع مواطنيها، وجامعاً يغني كل التنوع والتعدد اللذين يصبحان مصدر ثراء وغنى، لا عامل تفريق، تحاول نظريات "الفوضى الخلاقة" تمزيق الوطن والأمة باللعب عليه، كما يجري في الساح العربية حالياً.
تعليقات:
تعليقات:
ملحوظة:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع حزب البعث العربي الإشتراكي-قطراليمن نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى قضايا فكرية
قضايا فكرية
د. علي دياب
البعث ما بين القطرية والقومية والأممية
د. علي دياب
د- نجيبة مطهر
ايها الضمير العربي والاسلامي والدولي..
د- نجيبة مطهر
ماجدى البسيونى
أسئلة مشروعة ليست للزينة
ماجدى البسيونى
يوسف مصطفى
الوعي القومي.. بعضُ سياقِه التاريخي
يوسف مصطفى
د .عبد اللطيف عمران
الإسلام السياسي: تحدي القومية والدين
د .عبد اللطيف عمران
د. معن منيف سليمان
تجربة نهوض تحرري
د. معن منيف سليمان
الـمـزيـد