|
المستوطنون اليهود في الضفّة الغربيّة، كما هو معروف، يمارسون منذ سنوات جرائم القتل، وحرق المساجد، ودهس الأطفال، وتدنيس مقابر المسلمين، واغتيال الفلاحين الفلسطينيين، وهدم منازلهم، وتدمير قرى فلسطينيّة كاملة عن بكرة أبيها ومع ذلك فإن انعدام ردود الفعل الغربيّة على تصاعد كل تلك الجرائم ضد الفلسطينيين، تشير إلى الاعتقاد السائد في الغرب أن (العنف قد انحسر في الشرق الأوسط) وكأنّ قتل العرب ليس (عنفاً) ، بينما قتل هؤلاء المستوطنين هو (العنف) الوحيد في الشرق الأوسط؟! فقد سارع هذه المرّة الرئيس الأميركي لشجب هذا (القتل العبثيّ) وهو الذي سكت على قتل أربعة آلاف مدني من النساء والأطفال في غزّة، كما أدانت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون (العنف الوحشي) وهي لم تدن أبداً قتل الإسرائيليين لأي فلسطيني، أما ممثّل الأمم المتحدة فقد اعتبر قتل الإسرائيليين محاولة (لئيمة) لتقويض المفاوضات وهو الذي لم تفعل منظمته شيئاً لإيقاف القتل الإسرائيلي اليوميّ للفلسطينيين منذ اكثر من ستين عاماً! كما أدان الاتحاد الأوروبي كعادته واليابان أيضاً، قتل الإسرائيليين الأربعة وهم دائماً مصابون بالصمم عندما يقتل الإسرائيليون المدنيين الفلسطينيين بالآلاف، وحتى السلطة الفلسطينيّة أدانت قتل المستوطنين الأربعة دون أن تذكّر العالم بالجرائم البشعة التي يرتكبها المستوطنون يوميّاً بحقّ الفلسطينيين، خاصّة في الخليل، والتي لم يتم (شجبها) و(إدانتها) ولا حتى ذكرها من قِبَل أي مسؤول أميركي أو أوروبي فذاك بالنسبة لهم (عنف طبيعيّ) لأن حياة الفلسطينيين لا تعني الغربيين في شيء وفقط حين يُقتَل إسرائيلي يهبّ هؤلاء (المتحضرون) لشجب وإدانة (العنف).
و كيلا أعود بالقارئ الكريم كثيراً إلى الوراء وددّتُ في هذا المقال أن أحصي له بعضاً من (أعمال العنف) و(الجرائم البشعة) و(القتل العبثي) و(العنف الوحشيّ) التي قام بها مستوطنون إسرائيليّون في الضفّة الغربيّة وخاصة في مدينة وقرى الخليل ضدّ فلسطينيين عزّل يحاولون الاستمرار بعيشهم على أرضهم بكرامة وحريّة بعيداً عن القتل والتنكيل اللذين تمارسهما قطعان المستوطنين يوميّاً بحقّهم دون أن يشجب أوباما أو كلينتون أو الاتحاد الأوربي أو الأمم المتحدة ولا حتى اليابان أياً منها. فمنذ آذار عام 2010 مثلاً، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقتل بالرصاص وبدمٍ بارد الشاب محمد إبراهيم عبد القادر قادوس في 16 آذار 2010 جنوب مدينة نابلس وفي 21 آذار تمّ دهس الطفل محمد القنبر مرتين بسيّارة مستوطن قبل احتجازه في رأس العمود. وفي 3 نيسان دَهَسَ مستوطن إسرائيلي بسيارته الشابة سمر سيف رضوان (17) عاماً شرق مدينة الخليل. وفي 5 نيسان 2010 أحرق مستوطنو كريات شمونة فلسطينياً حتى الموت، وفي اليوم ذاته قام ثلاثة مستوطنين بسكب الماء الساخن على جسم ووجه الشاب منجد بشارات (26) عاماً مّا أدّى إلى إصابته بحروق وجروح بليغة وفي 11 نيسان دهس مستوطن إسرائيلي طفلة فلسطينية في قرية اللبن غرب مدينة رام الله. وفي 27 نيسان قامت قوات الاحتلال باغتيال الشاب علي السويطي ومثـّلوا بجثـته بعد اغتياله واقتلعوا عينيه.
وفي 10 أيار استُشهِدَ طفل فلسطيني لا يتجاوز السنة والنصف بسبب استنشاقه غازاً مسيّلاً للدموع، كما قامت قوات الاحتلال في اليوم ذاته بضرب الطفل عبد الله عيسى حتى الموت. وفي 16 ايار قام مستوطن صهيونيّ بدهس أم وطفلتيها رؤى (عامان) ونغم (خمسة اعوام) أثناء سيرهنّ على مدخل قريتهنّ الجبعة جنوب بيت لحم. وفي 11 حزيران دهس جيب عسكري إسرائيلي الفلسطيني مازن نعيم الجمل (48 عاماً) في مدينة الخليل فأودى بحياته. وفي 19 تموز دَهَسَ مستوطن إسرائيلي الطفل عبد الله حسن المحتسب (12) عاماً وقتله في مدينة الخليل. وكلّ هذا غيض من فيض من الجرائم الوحشيّة التي يرتكبها المستوطنون يوميّاً بحقّ الأطفال والنساء والشباب الأبرياء في مدينة الخليل ومدن وقرى الضفّة الغربيّة، ولكن ماذا يفعل الفلسطينيون إذا لم يدن أحد في العالم قتلهم، بل لم تسجّل أي وسيلة إعلاميّة غربيّة هذه الجرائم التي تُرتَكَب بحقّهم يوميّاً ويصل الغضب والألم ببعض الفلسطينيين حدّاً لا يمكن تحمّله بسبب العنف الذي يُمَارَسه المستوطنون ضدّ الفلسطينيين، ولكن أيضاً بسبب صمت وتواطؤ القوى الغربيّة. والسؤال المهم هو هل فعلاً أوباما، ووزيرة خارجيته، والاتحاد الأوربي، واليابان، والنرويج، والأمم المتحدة لم يطّلعوا على دهس وقتل مئات الفلسطينيين على يد المستوطنين خلال السنتين الماضيتين؟ أم إنهم يعتبرون الدم الفلسطيني رخيصاً لا يستحقّ مثل هذه الإدانة والغضب والشجب؟
أن يشجب العالم برمّته القتل والعنف فهذا أمر جيد ولكن عندما يكون الشجب فقط عند قتل المستوطنين الذين عاثوا بالأرض فساداً والذين يجب أن تخجل الديمقراطيات منهم ومن جرائمهم فإن مثل هذا الشجب الأحادي الجانب يزيد الألم ويفضح العنصرية الغربية تجاه العرب والمسلمين.
إن مقاربة المفاوضات، اي مفاوضات، يجب ألاّ تتمّ من خلال هذا النوع من التضليل والخلل في موزاين القوى، وتجاهل حقوق شعب بكامله، والتركيز على أمن وسلامة فئة مختارة تمارس القتل، والاستيطان، والقمع، والاحتلال. إنّ من يراجع النظرة العنصريّة الغربيّة إلى ما يجري في فلسطين المحتلّة لا يستغرب فشل كل المحاولات السابقة للتوصّل إلى حلول حقيقيّة وسلام عادل وشامل. السلام العادل والشامل لا بدّ أن يرتكز على حلول منصفة. من يدين (العنف العبثي) يجب أن يدينه دوماً ودون تمييز عرقي، أو ديني، لا أن يسكت على جرائم يوميّة تمرّ دون ذكر ودون شجب ودون إدانة فقط لأن مرتكبيها يهود، وكأنّ قتل الفلسطينيين مطلوب ومرغوب ولكن ليس من المسموح لهم الغضب أو ردّة الفعل أو المقاومة مهما بلغت حدة معاناتهم. كي تنجح المفاوضات، لا بدّ أن يكون هناك إيمان مبدئي من قبل الرعاة لهذه المفاوضات بأن حياة الفلسطينيين تساوي على الأقل حياة مستوطن مجرم وقاتل وقادم إلى أرض ليست أرضه بهدف سرقة الأرض الفلسطينية وقتل سكانها وإبادتهم، ولا بدّ للرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وحتى اليابان، والنرويج، أن يدينوا أولاً وبذات الشدّة دهس الأطفال العرب، وقتل الفلسطينيات، وضرب الفلسطينيين حتى الموت.
آنذاك فقط يمكن ان يكون هناك بذرة أمل بسلام قائم على العدل، وليس سلاماً قائماً على تجاهل وقتل طرف وإعطاء الطرف القاتل والمُغتَصِب والمحتل كلّ ما يريده بعد أن مارس كل أنواع الإبادة ضدّ شعب أعزل محروم من الحريّة منذُ اكثر من ستين عاماً. حين يدين أوباما، وكلينتون، والاتحاد الأوروبي وبشدّة قتل الفلسطينيين كما يدين وبشدّة قتل المستوطنين يمكن أن يبزغ أمل بسلام حقيقي في منطقتنا.
تشرين
في الإثنين 06 سبتمبر-أيلول 2010 04:43:59 م