|
تسعة اشهر منذ أن قرر الشعب اليمني تصحيح مسار ثورتيه الأم 26 سبتمبر و 14 أكتوبر اللتان تاهت أهدافهما بين عوامل عديدة بفعل الواقع الإجتماعي المتخلف الذي عاشته اليمن وتكالب أصحاب المصالح والآفاق الضيقة ممن تولى مقاليد السلطة فيها ..لذلك بقيت الحالة الإجتماعية والسياسية تعيش تطورا بطيئا في التحول نحو اندماج طبقات المجتمع ومكوناته فيما بينها وكيفية التعامل السليم للإنطلاق بهذا المجتمع نحو التقدم والتطور ..انعكس هذا سلبا على قمة هرم المجتمع بحيث لم ينتج سوى قيادات متخلفة غدت عبئا إضافيا على الوطن ومارست عاملا رئيسيا في تراجع المجتمع وتهميشه إذا ما استثنينا بالطبع مراحل استثنائية لسنوات قليلة إبان فترة الحمدي وسالمين .
ولقد مثلت هذه الثورة السلمية وبفترتها الزمنية الطويلة نسبيا فرصة تاريخية كان يحتاجها شعبنا لخلق مفاهيم وأسس لبناء مجتمع جديدة يحمل معه مقومات البناء والتطور والإنفتاح على الآخر ..وعلى الرغم من قسوة هذه الفترة وشراستها إلا إن هذه المعاناة نجحت في صهر المجتمع في رؤية فكرية ثورية أيقظت فيه روح التحدي والأمل لرؤية يمن جديد يمد كل واحد فيه يده ليد الآخر ..وهذه اللوحة الجميلة التي يسطرها شبابنا الثائر في ساحات التغيير بقدر ما بهرت العالم بروعتها وسلميتها وإصرارها على الوصول لغايتها بقدر ما نشعر بالقلق حينا من أن يتبدد هذا الأمل لنعود إلى سابق عهدنا ما لم نكن يقظين لتعميق هذه الروح الثورية ونقلها بكل ما فيها من حماس وإصرار إلى كل مرافق الدولة بل وحتى في جميع مناحي حياتنا ..وعلينا أن نستقي العبر والدروس ممن سبقونا في ثورتهم وان لا نكرر إعادة اختراع العجلة فما وقعوا فيه من أخطاء علينا الحذر منه وتجنبه ، ندرك انه لا توجد ثورة كاملة وإن كل ثورة تحتاج إلى عامل الوقت ليقوى عودها لكن ذلك لا يمنع أن نستنبط العبر لتختزل ثورتنا وقتا نحتاجه في مكان آخر .
إن حالة التوافق التي تعيشها أجواء ساحات التغيير هذه الأيام قد لا تكون نفسها بعد أن يرحل الهدف الرئيسي من تجمعها والكل يتحسس هذا القلق وسط مؤشرات تبدر عن العقلاء لرسم ملامح ما بعد صالح بشكل يحافظ على هذا التوافق ولو في حده الأدنى ليستمر النهوض بمشروع الأمة في بناء الدولة ولا شك أن التيار الإسلامي والقبلي يشكل عامل قلق لدى البعض من أن تتحول بعض ملامح الهيمنة التي يمارسها حاليا إلى تفرد وإلغاء للآخر لنعود من جديد إلى مربع التهميش والإقصاء ولذلك ربما يتطلب منهم أكثر من غيرهم - إن أرادوا إنجاح الثورة - زرع التطمينات لدى القوى الأخرى ولدى الشعب اليمني في أن هذه الشكوك ليست في محلها وعليهم وعلينا أن نرى ما يدور اليوم في مصر وما تشهده شوارعها من تأجيج متصاعد بسبب بعض الممارسات من قبل بعض الجماعات المتشددة التي رفعت شعارات استفزت بها قوى شريكة لها في الوطن مما حرف التوجه الثوري عن مساره وأطال في حكم العسكر لمقاليد السلطة في مصر وربما لن يتركوها قبل أن يتم ترتيب المرحلة المقبلة في مصر بطريقة قد تقود بشكل أو بآخر إلى إعادة إنتاج مبارك جديد لقصر عابدين وهذا ما لا نتمناه ..ولو مددنا أنظارنا إلى ملهمة الثورات العربية تونس التي مرت بمرحلة انتخابية أججت نتائجها مشاعر الظلم نفسها التي عاشها أبناء سيدي بوعزيزي إبان بن علي بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات وإلغاء بعض المقاعد لصالح حركة النهضة ، ولا يمكن أن يبرر لحركة النهضة تلك الإبتسامات العريضة التي يوزعها الغنوشي على الفضائيات لتخفيف حدة النقمة لدى أبناء هذه المنطقة تحديدا الذين كان لهم الفضل في عودته إلى تونس ورفع حكم الإعدام الذي كان مسلطا على رقبته ...لكن حب الهيمنة كان اقوي من أن يقاوم فأراد الإستحواذ على مفاصل السياسة مستخدما الشعور الديني رافعة لتحقيق هذا الفوز الساحق بمقاعد المجلس التأسيسي.
وفي ليبيا شكل ثوارها انتكاسة حقيقة لحلم الثورة التي خرجت ضد الظلم والطغيان وشريعة الغاب لتمارس بدورها ظلما اكبر بحق أسير اعزل بين أيديهم ..لا يمكن تبرير ما أقدم عليه ثوار ليبيا بحق معمر القذافي الأسير من إهانة وإذلال وممارسات ترفضها كل الأعراف القانونية والإنسانية والدينية وهي مؤشر خطير على سقوط مريع لقيم الثورة في أول تحدي لها لتثبت للعالم أنهم لا يقلوا إجراما عن قتيلهم وان القذافي مات جسدا ليولد من جديد في قلوبهم وبتنا نشعر انه ربما قد تحتاج ليبيا إلى ثورة أخرى بعد أن تخاذل المجلس الإنتقالي الليبي عن تشكيل لجنة تحقيق في مقتل القذافي وما رافقه من تعديات بحقه وإحالة من قاموا بذلك للمحاكمة ولا يمكن أن يبرر ممارسة الظلم بحق القذافي كونه كان ظالما فا لقذافي كان يعبر عن مرحلته في حين يعبر قادة الثورة الليبية عن مرحلتهم وعليهم إن أرادوا إعادة النظر فيهم إعادة فتح الملف على الأقل ليخففوا من حدة التعاطف الكبير الذي حظى به معمر القذافي الأسير والقتيل بين أيديهم.
وفي سورية بعيدا عن من طالبوا بإصلاحات ومطالب محقة لا يزال المحتجون والمعارضون يغردون خارج سرب الأمة عبر رفع شعارات تستفز المواطن العربي وتشعره بالقلق من البديل المحتمل الذي بات يستجدي الغرب بطريقة تهين الشعور العربي وتاريخه المؤلم مع الإستعمار القديم ففي حين رفع شبابنا في اليمن شعار جمعتهم "وما النصر إلا من عند الله " رأيناهم يرفعون شعار الحظر الجوي مع أن أكثر المواقع الإخبارية مغالاة عن سورية لا تذكر أبدا إن الدولة السورية تستخدم الطيران الحربي لقمع المحتجين ، إلا ان هذا الشعار هو الباب الذي يمر عبره الناتو للدخول إلى بلادنا العربية على شاكلة ما حدث في العراق وما تلاه في ليبيا وما لا نتمناه لسورية ..تسمية لجمعة لم نفهم منها إلا أن المقصود منها "وما النصر إلا من الناتو".
في الأحد 30 أكتوبر-تشرين الأول 2011 06:43:54 م