الولايات المتحدة.. تاريخ من العنصرية ورعاية إرهاب الدولة
إبراهيم أحمد
إبراهيم أحمد

اعتاد العالم كله أن يتلقى النصائح والتوجيهات من أمريكا في قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، بل إن كثيراً من الأمريكيين يحلو لهم وصف بلادهم بـ «مهد الحريات والحقوق الإنسانية»، ولكن وقائع التاريخ التي يعرفها الأمريكيون أكثر من غيرهم، تؤكد أن التاريخ الامريكي بني على مآس إنسانية منذ الاستيلاء على أراضي الهنود الحمر بالقوة ثم إبادتهم، وبعدها التحول إلى أفريقيا للبحث عن عبيد، وهي فترة من التاريخ لايكاد يوجد أحد في العالم لايعرفها ويعرف ماحدث فيها من ظلم.
تنصب أمريكا نفسها مدافعاً عن حقوق الإنسان، فوسائلها الدعائية لاتمل الحديث عن هذه الحقوق، ولكن قراءة السجل الحقيقي لتاريخ أمريكا يدحض هذا الزعم، والدليل على ذلك ممارساتها وموقفها من الإعلان العالمي لهذه الحقوق ومدى الالتزام بالعهود الدولية ورفض بعضها والتحفظ على بعضها الآخر، والأخطر من هذا هو استخدام أمريكا لهذه الحقوق الانسانية ذريعة ضد خصومها السياسيين وتكييفها لتلبي وتخدم سياستها ومصالحها، فأمريكا، بجبروتها الاقتصادي والعسكري، تحتل ومنذ الحرب العالمية الثانية المرتبة الاولى في ممارسة الارهاب ورعاية إرهاب الدولة، بل تكاد تنفرد،مع "إسرائيل" باحتكار إرهاب الدولة هذا ورعايته على نطاق كوني، فليس هناك قارة أو منطقة إلا وقد نالتها اليد الأمريكية، فالدولة العظمى الأكثر إدانة للإرهاب هي الأكثر ممارسة له، لتصبح شرطي العالم الذي يطبق بيديه النوويتين وبتفوقه العسكري والاقتصادي على أنفاس البشرية كلها.
لقد رفضت الولايات المتحدة التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل وتحفظت على المعاهدات ولم تلتزم بالكثير من العهود والمواثيق لتغليبها المعايير الوطنية، وسجل أمريكا في الداخل غير ناصع، فالتفرقة العنصرية ظلت سائدة في أمريكا حتى أواخر الستينيات وبعد عقود من موت مارتن لوثر كينغ داعية حقوق الإنسان -الشهير- لاتزال بصمات التمييز حاضرة في الحياة الأمريكية، كما تشهد تقارير منظمات حقوق الانسان، والعفو الدولية حتى اليوم، وحجز الأحداث مع الكبار في السجون أمر شائع في بعض الولايات، كما لم يتعاف المجتمع الأمريكي كلية من وباء العنف والتفرقة والمكارثية رغم التطور المذهل الذي حققته أمريكا بعد الحربين العالميتين..
 والتساؤل المطروح هو: هل يعود ذلك لطبيعة تكون المجتمع الأمريكي وسيادة النزعة الفردية المتطرفة، أم أنه يرتبط بثقافة العنف المتجذرة في الحياة الأمريكية، والتي تروج لها آلة الدعاية الهائلة، أم في المصالح الكبيرة والاقتصاد السياسي للقمع، وفق تعبير نعوم تشومسكي.. لقد رمت الولايات المتحدة بكل ثقلها لإسقاط قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال التمييز العنصري، كما صمتت إزاء تكسير أيدي أطفال فلسطين في ذروة الانتفاضة وتغاضت عن جريمة قانا التي ارتكبتها إسرائيل بحق أبناء الجنوب اللبناني، وغضت الطرف أيضاً عن جرائم اغتيال قادة المقاومة الوطنية الفلسطينية، وتجاهلت قيام إسرائيل بغارات جوية وانتهاك السيادة السورية، إن لم تكن هي التي أعطتها الضوء الأخضر للقيام بهده الاعتداءت!.
لقد بلغت الولايات المتحدة مكانة من الجبروت العسكري والاقتصادي لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وهي توظف هذه القدرة لخدمة الهيمنة والنهب والتسلط على الآخرين، رافعة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان شعارات لخدمة لسياستها وهيمنتها، وهي لاتتورع عن قمع هذه الديمقراطية حتى بالتدخل المباشر كما حدث في نيكاراغوا والتشيلي حيث دعمت الأنظمة الدكتاتورية هناك.
 إن مقياس ومعيار حقوق الانسان والديمقراطية بالمنظور الأمريكي هي المصالح الأمريكية كمعيار للحكم على هذه الحقوق، فأمريكا وبكل بساطة يمكن أن تضحي بالديمقراطية وحرية الشعوب وحقوق الإنسان في سبيل الوصول إلى الأسواق الاقتصادية والموارد الخام في أرجاء العالم، ولابأس أن يغلف ذلك بدعاوى حقوق الانسان والديمقراطية إذا لزم الأمر، ولكن إذا ما تعارضت أو تصادمت هذه الحقوق أوالديمقراطية مع المصالح الأمريكية فيمكن التضحية بها بكل سهولة ويسر.

 العنصرية لاتزال موجودة
تكشف دراسة، أعدها مشروع مؤسسة هارفارد للحقوق المدنية، أن الطلاب البيض لاتجمعهم بأطفال الأقليات في مناطق عدة بالبلاد سوى «صلات ضعيفة» وأن طلاب الأقليات يعانون من معاملة غير متكافئة تنعكس على مسيرتهم طوال الحياة.
قبل أكثر من 50 عاماً قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن يلتحق الأطفال من مختلف الأعراق بالمدارس، وأن المدارس نفسها «تكرس عدم تكافؤ الفرص»، وتحقق تقدم كبير منذ ذلك الحين، ففي عام 1952 كان عدد الحاصلين على دبلوم المدارس العليا على الأقل-من السود من سن 25 عاماً فأكثر- لايتعدى 15٪ وكان الانفصال مهيمناً ولاسيما في ولايات الجنوب.
ولكن بعد الحكم التاريخي الذي صدر في القضية التي رفعت عام 1954 ضد مجلس التعليم الذي أمر بدمج المدارس (أي الجمع بين الطلاب ذوي الأعراق المختلفة كالبيض والزنوج) في مدرسة واحدة، سجلت نسبة الطلاب الأمريكيين من أصل أفريقي ارتفاعاً متصاعداً في مدارس البيض في تلك المنطقة إذ قفز من صفر إلى 43٪ عام 1988، ولكن بحلول عام 2001 عادت هذه النسبة للانخفاض إلى 30٪ أي ما يعادل تقريباً النسبة نفسها التي كانت موجودة قبل 35 عاماً حسب ماذكرت الدراسة التي عزت ذلك إلى قرار المحكمة العليا في عام 1991 الذي يسمح في بعض الحالات بعودة الأطفال إلى ما يسمى بمدرسة الحي، بدلاً من نقلهم في أوتوبيسات إلى أحياء أخرى لضمان هيكل طلابي متنوع، كما أسهمت أنماط الارتحال من سكن لآخر في الأمر، إذ يفر قسم كبير من البيض والأسر المتوسطة من السكن وسط المدن ويستقرون في الضواحي حيث لايختلط أطفالهم كثيراً بأطفال الأقليات، إلى ذلك فإن الغالبية العظمى من طلاب مدارس الفصل العنصري يواجهون أوضاع الفقر المدقع الوثيق الصلة بعدم تكافؤ فرص التعليم، ويقول الخبراء إن للظاهرة تأثيراً بعيد المدى على الأقليات، وإنها واحدة من الأسباب التي تجعل طلاب الأقليات ينتهون إلى الوظائف المنخفضة الأجر، وتظهر الاحصاءات أن الأمريكيين الأفارقة والأمريكيين من أصل لاتيني يتقاضون أجوراً أقل من نظرائهم البيض، وحسب وزارة العمل الأمريكية فإنه كان دخل الأمريكي الأفريقي الذي يعمل طوال الوقت يبلغ في المتوسط 509دولارات في الأسبوع مقابل 633 دولاراً للأبيض و442 للأمريكي من أصل لاتيني أو اسباني.
 وترى إليزابيث مارتينيه أستاذة الدراسات العرقية في جامعة كاليفورنيا والناشطة في مجال حقوق الإنسان أن الولايات المتحدة بنيت على ثلاث حقائق أساسية، كلها تؤكد أن "فوقية الرجل الأبيض" كفكرة عنصرية هي الأساس الذي شكل الدولة الأمريكية، الحقيقة الأولى: أن الولايات المتحدة دولة وجدت بالاحتلال العسكري الذي تم على مراحل عدة، المرحلة الأولى تمثلت بالاحتلال الأوروبي للأراضي التي كان يقطنها سكانها الأصليون وقبل هذا الغزو الأوروبي كان يقطن أراضي شمال القارة الأمريكية 918 ألف نسمة، ومع نهاية حروب الهنود الحمر، كان هناك فقط 250 ألف نسمة من السكان الأصليين وهذه الحروب هي التي مهدت لبناء الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى أن الأمة الأمريكية بنيت أساساً على إبادة السكان المحليين واغتصاب أراضيهم!..
 والحقيقة الثانية تقول: إن الأمة الأمريكية لم تكن لتتطور اقتصادياً دون استقدام العمالة الأفريقية لدعم القوة العاملة الضرورية لإحداث النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.
الحقيقة الثالثة تتمثل في قيام الولايات المتحدة بالاستيلاء على نصف المكسيك بالحرب، الأمر الذي أتاح لها الوصول إلى المحيط الهادي، وبالتالي فتح باب التجارة على مصراعيه مع آسيا وفتح الأسواق لتصدير بضائع واستيراد بضائع لبيعها في الولايات المتحدة..
 وتقول مارتينيه: «إن جذور العنصرية أو ما يعرف بـ "الفوقية البيضاء" تكمن في الاستغلال الاقتصادي عن طريق سرقة الموارد الاقتصادية واستعباد العمالة»، وتضيف: «في الولايات المتحدة يظهر التاريخ أن الرأسمالية والعنصرية يسيران جنباً إلى جنب».
لقد عززت الحملات الاستعمارية الأوروبية منذ منتصف القرن التاسع عشر "فوقية الرجل الأبيض"، وظهر في الولايات المتحدة مبدأ «القدر الواضح» الذي يقول إن «الولايات المتحدة قدر لها الله أن تأخذ أراضي الغير وتسيطر على شعوبهم» واستخدم هذا المصطلح للمرة الأولى عام 1845 في إحدى المجلات الأمريكية التي قالت: «لقد منحنا الله حق التوسع وامتلاك القارة بأكملها من أجل تحقيق التجربة العظمى من أجل الحرية وتطبيق الحكم الفيدرالي..!».
 ويمثل مبدأ "القدر الواضح" سياسة عنصرية واضحة انتهجتها الولايات المتحدة للتوسع الجغرافي والتطور الاقتصادي، وكانت نظرتها للشعوب الأخرى وراء نجاحها في الوصول إلى ما تريد، فقد ارتفعت دعوات في الماضي لإخراج السود من أمريكا لتجنب التلوث الذي تسببه تلك الشعوب السوداء، وكان السكان الأصليون قد عانوا قبل ذلك من العنصرية البيضاء التي لم تكتف باعتبارهم قذرين وهمجيين، ولكنها اعتبرتهم دونيين في معتقداتهم وقيمهم، وتؤكد إليزابيث أن عنصرية "الفوقية البيضاء" وما تمثله من عنجهية مازالت تسيطر على المجتمع الأمريكي، وما زالت تحتفظ بعدوانيتها العنصرية.
المتتبع لما يجري في الولايات المتحدة يدرك أن عهود العنصرية لم تنته وإنما أصبحت تأخذ أشكالاً جديدة.
وتقول الدراسات التي قام بها مركز«أبوليش المناهض للرق» أن هناك آلاف العبيد الذين يعيشون حالياً في"أرض الحرية"، ولكن بالطبع دون أن تجري مزادات لبيع الرقيق على الملأ، فالعبودية المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تتم في الخفاء وتعتمد أساليب الخداع والتهديد، ولكن ممارساتها لاتقل قسوة عن ممارسات «مؤسسات الرق» التي انتشرت لعقود خلت.

 إن جذور العنصرية أو ما يعرف بـ"الفوقية البيضاء" تكمن في الاستغلال الاقتصادي عن طريق سرقة الموارد الاقتصادية واستعباد العمالة، ويُظهر التاريخ أن الرأسمالية الأمريكية والعنصرية يسيران جنباً إلى جنب.

إليزابيث مارتينييه
أستاذة الدراسات العرقية في جامعة كاليفورنيا

في السبت 29 يونيو-حزيران 2013 07:53:31 م

تجد هذا المقال في حزب البعث العربي الإشتراكي-قطراليمن
https://albaath-as-party.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://albaath-as-party.org/articles.php?id=478